حدائق الأدب في الجولان السوري تحفل بالأزاهير الشعرية اليانعة العابقة بالشذا، ومن هذه الأزاهير التي فاح عبيرها الشعري منى أبو جبل زهوه، هذا الصوت العذب الصداح بالغناء الشجي، المحلق في دنيا الابداع وفضاء الالهام، الآتي من روابي مجدل شمس، تلك البلدة الجميلة المحاطة ببساتين الكرز وحقول التفاح واشجار السريس الخضراء.
لقد راقتني واستوقفتني نصوص منى أبو جبل زهوه منذ زمن بعيد، دون ان تعلم أو تدري، فواكبت خطواتها وتتبعت تجربتها ومسيرتها، وتطورها الشعري، ونضوجها الفني، ومع كل نص جديد تقدم الأفضل والاجمل.
وقد وجدت في نصوصها وخواطرها الوجدانية رقة وجمال لفظي وعفوية وتلقائية وسلاسة وانسيابية ودفء احساس وحرارة الصدق. فنصوصها همس ياسمين وباقات نرجس فواحة وهذيانات من خلجات الروح والنفس ونبض الوجدان، وذات ايقاعات خاصة تمتاز بالجمال والتأنق، وتزخر بالصور الشعرية اللطيفة عميقة الأبعاد والايحاءات، ولا أدل على ذلك من هذا النص، حيث تقول:
أيقظتُ الوردَ الصبوحَ من مضاجعهِ
وصوتُ القلبِ يقتادني لعطرهِ الفتّانِ
فريحُ الأحبةِ تسكنُ الروح في جنباتهِ
حين هزني الشوقُ اليهِ بالوصلِ أغواني
يا ليتني كنتُ النسيم الفحُ بالجوى خدهُ
ويا ليتني كنتُ في حقول القلبِ بُستاني
أزورُ ودَّهُ كلما عطشتُ الى رحيقِ مُدامهِ
وأقتفي ظلَّهُ الحبيبَ كلما زارتني أحزاني
منى أبو جبل زهوه تمتلك روح الشعر، بذارها داني القطوف، تتأمل في الطبيعة، وتشدو فوق خمائل الرياض، وتنثال طربًا وفرحًا وزهوًا مع نبض روحها، وارتعاشات جسدها، ووقع كلماتها، وحلاوة نصوصها الحبلى بالمحسنات اللفظية والبلاغية وجمال الحروف والمعاني، وصدق البوح والاحساس، ولنسمعها في هذا النص البديع زاهي الالوان، حيث تقول:
قل لي
لماذا الدمع مالح
رغم أن ابتسامتك
تدهن مذاق قلبي كالسكر
ولماذا هذا السكون
رغم كل ثورات الروح
منذ متى عرشت
فوق ملامحي
ومحوت تفاصيل غروري
بت امرأة اخرى
أحبها رغم أنها لا تشبهني
ربما هي تشبه جنون أعماقي
وتنساب في تلابيب قلبك
أتعرف حين يتساوى الدمع والضحك
ماذا تقول لي نفسي:
أنك في داخلي
ولن تذهب بعيدًا
مهما ابتعدت
قصائد منى تمتلئ بجيشان العاطفة والمشاعر النابضة وبوح في بث الأشواق ودفء الحنين، تفيض شوقًا وحلمًا رقراقًا، وتحمل بين سطورها عبقًا ونسمات تبلل أحلامنا بالمطر، تثير فينا زهو الأمنيات، وتشعرنا بالمتعة الجمالية، مزنرة بحرارة العناصر وطقوس العشق، وغنية بالرؤى والأفكار الدالة على عناصر الجمال وسعة الخيال حتى البلوغ الى النص المؤثر البليغ ،ولنسمعها في هذه الومضة الشعرية، حيث رقة المعاني والرمز الشفاف:
لهمس ترق له السواقي
طربت وناداني التلاقي
طبيب وقد اعياه الدوا
سقيم أشفاه احتراقي
وأية رقة وأي احساس وأي بوح راق، وهي تمخر عباب سفينة الشعر، وتداعب بمجدافها أوتار الكلمات والمفردات في هذا النص الزاخر بالمعاني والصور الجميلة ودفء الاحساس:
أنا حسبي بأني
سلكت كل الدروب
كي القاك
وحسب الدروب
التي مررت بها
أنها خبأت بين المسام
ريحًا من ثناياك
حبيب يمر
بين الخوابي
فيسكرها
وتنسكب بين الضلوع
سحرًا من محياك
ويح لروح
لم تزر الأشواق
ذات يوم
مسكنها
وويح لقلب
مرت عليه
الليالي بليدة
دون أن تهديه
رؤياك
وتغرق منى أبو جبل زهوه في نصوصها، وتغرقنا بوجدانياتها التي تميل الى الرؤية التأملية والروح الرومانسية، نحو مستقبل وردي وفرح دائم لا يزول.
وما يسم هذه النصوص السلاسة اللغوية، وبنائية الجملة كاملة المعنى، والقدرة على صياغة الجملة الشعرية، والايقاع الموسيقي الداخلي.
وفي المجمل، نصوص ابو جبل زهوه محملة بلغة شعرية قريبة من النفس، ملامسة لها، لغة حية تحمل سمات الصدق والأصالة، لغة فيها تكثيف وتصوير وايحاءات، وفي غاية الأناقة التعبيرية والتصويرية، والزخم الايقاعي الموسيقي، ومعجونة بماء الخيال ووهج اللغة والألفاظ الموحية المثيرة.
فللصديقة الشاعرة منى أبو جبل زهوه، باقات معطرة بجمال الحرف. دمت مميزة، مع أجمل التحايا والامنيات بمستقبل شعري واعد، والى الامام، ومزيدًا من التألق والتوهج الشعري.