في لَحظةٍ ما مِن حياتِنا
نصيرُ شُعَراء
كُلُّنا، أو جُلُّنا نَصيرُ شُعَراء
في ساعةِ التَّجَلّي
في لحظةِ التّخَلّي
في ساعةِ الرّخاء
وحينَ يقعُ البلاء
وَحينَ يُوَلّي
نصيرُ شُعراء
وَعندَما تتلألأُ النّجومُ في المَساء
وعندَما تهطُلُ الأمطارُ في الشّتاء
وفي الرّبيعِ حينَما تُرفرِفُ الحمائمُ البيضاء
وعندما تحطُّ أسرابُ السّنونو على الشّبابيك القديمة
نصيرُ شعراء
وحينَ يحتَفي البحرُ بزُرقتِهِ
وترجِعُ النّوارسُ من أقاصي الأرضِ
لتّؤنِسَ وَحشَةَ الغريبِ في الميناء
نَصيرُ شُعراء
الشّعرُ يا أحِبّتي لا يعرِفُ الهُروب
يَعيشُ في وِجدانِنا وعلى جوانب الدّروب
ينمو على طريقِ النّبعةِ الزّرقاء
تينةً خضراء
وردةً جوريّةً
حمراءَ أو صفراء
تُذَكِّرُ الحضورَ بالغُيّاب
تُبَشِّرُ بِفرحةِ اللّقاء
الشّعرُ يا أعِزّتي
يسكُنُ في أِناءِ زَيتِنا
في صَحنِ بيتِنا
ويكرُجُ على لسانِ أُمِّنا الحنون
يُنشِدُ في مواسمِ الغِلالِ والحصاد
من ساعةِ الشّروقِ لساعةِ الغروب
الشّعرُ زيتُ الرّوحِ
ضَوءُ العبقَريّ
يُوَجِّهُ السّفائنَ نحوَ شاطئِ الأمان
يَنضَحُ من النّفسِ الشّقيّةِ
يَفيضُ من النّفسِ الرّضيّةِ
يمسَحُ الغُبارَ عن عتمةِ القُلوب
وَيُعَزّي الخاسِرَ المهزومَ في الحروب
الشّعرُ آهُةُ المأزومِ
وآهةٌ المظلومِ
وأنّةُ المكلوم
وآهةُ المسجونِ في الزّنزانةِ السّوداء
وحنينُ الغائبِ المُشتاقِ حتّى يؤوب
الشّعرُ يا سادتي الكِرام
أعذَبُهُ كلام
أكذَبُهُ كلام
والحُبُّ في الأرضِ أوّلُهُ كلام
والحربُ في أوّلِها كلامٌ في كلام
والحربُ في آخرِها ظلامٌ في ظلامٍ
هذا النص خطته أنامل الاستاذة علياء فواز رحال، وتطرح من خلاله موقفها ونظرتها من الشعر والشعراء. وهو نص على درجة عالية من الجمالية، وذو قيمة واضحة في تحريك الخيال، فضلًا عن منظوره الايحائي وابعاده العميقة، واسلوبه الشعري المدهش، وبنيانه الفني الأنيق.
علياء فواز رحال من قرية عيلبون بالأصل، وتقيم في قرية عرب الهيب بعد اقترانها بأحد أبنائها، تعمل مدرسة في احدى مدارسها، حاصلة على اللقب الأول والثاني في التربية متعددة الالوان من كلية اورنيم، واجازة باللغة العربية للقب آخر من الكلية العربية للتربية في حيفا، عن اطروحتها الموسومة ” رحلة الذات المغتربة في شعر المتنبي “.
عشقت علياء الحرف والكلمة منذ نعومة اظفارها، وتتقن بالفطرة لغة الضاد، نحوًا وصرفًا وتعبيرًا كتابيًا. وهي متعددة الاهتمامات والكتابة في جميع الوانها وانواعها ، فضلًا عن التطريز الفلسطيني الذي تراه جزءًا من هويتها الوطنية وهوايتها النسوية.
انها تكتب الخاطرة والشعر والمقالة، وتنشر كتاباتها على صفحتها في الفيسبوك.
علياء ذات حس مرهف شجي، تمتلك احساسًا بالانسان وقيمته، وقد عودتنا على الرقي في طروحاتها ونصوصها وحروفها التي طرزت الخريف ربيعًا.
تقريت كتاباتها الشعرية والنثرية ومنشوراتها التي تعالج موضوعات وقضايا من صلب واقعنا الاجتماعي والسياسي والثقافي الحي، ووجدت من خلالها شاعرة متمردة تهتم بالجوهر، وتحلق في سماء الابداع وحيدة، تغتسل بماء الشعر والنثر، وتنتمي الى الابداع الراقي دمًا في الشرايين. تستمطر الضوء من ثقوب الليل، ويتقاطر من بين اصابعها الهامًا جماليًا وفنيًا رفيعًا ووهجًا يخترق جدران العتمة .
وحين نقرأ نصوص علياء تجعلنا في استغراق، كأننا نتأمل فضاءً أزرق يتماهى فيه أفق البحر مع ضفة السماء.
لغتها نابضة بإحساس عميق، وألفاظها منقاه بوعي، نستكشف فيها جماليات شعرية تعبر عن تجربة ناضجة واعية، ومعاناة حياتية من خلال صور شعرية مختزلة ومشذبة تمور فيها الشفافية.
وهي تبني جملتها الشعرية بإحساس رهيف وعناية لافتة، فتهدل في روح وقلب المتلقي ، وتبني عشًا لتقيم أمدًا.
علياء رحال تلبس نصوصها ثوبًا من الحرف الجزل، وتطرزها ببلاغة المجاز والاستعارة والتشبيه وروعة الوصف والتعبير، وتودع فيها همومها الذاتية والانسانية، وآلام الواقع، وأوجاع الوطن، وجمال الحب، وترتب أبجديتها بأسلوب شعري جاذب، يتميز بجماليته، وقدراته التعبيرية، موظفة اللغة الشعرية الشفافة المكتنزة.
وتهتم علياء بانتقاء مفرداتها وألفاظها وتحقيق الارتباط بين الفقرات داخل البناء العام للنص الأدبي، وتمتاز بالصورة الشعرية المركبة الممتدة ذات الأبعاد العميقة الموحية، ومزجها بين عناصر الحلم والواقع، والفاظها لها رنين مختلف، ولنصها ايقاع موسيقي هادئ، وتدور موضوعاتها حول قضايا المجتمع والهم الانساني والذاتي والفلسطيني، وتصدر عن التزام بهموم الناس والأمة.
وتتراوح كتاباتها بين نصوص فلاشية ونصوص طويلة، ونستشف فيها بجلاء الصور الباذخة، التي تكتنفها غواية التركيب والرمز والايحاء الشعري.
علياء فواز رحال مغامرة ابداعية مبللة بعطر الياسمين، انها بستان في كتاب وبوح أنثوي دافئ يختزل الواقع القائم ببن الانثى والانسان والحرية، وتبحر نحو شواطئ الهذيان الجميل، وقد اتخذت لها مكانًا ومساحة في أقانيم الجمال الشعري.
فتحياتي العطرة للأستاذة علياء فواز رحال، التي تثير الدهشة والاعجاب لمن يقرأ نصوصها ويواكب مسيرتها وتجربتها الكتابية. فهي تكتب حباً في الكتابة وللتنفيس عن همومها، وليس من أجل الشهرة الزائفة القاتلة، والى الأمام وبانتظار جديدك دائمًا .