خلود فوراني سرية –
للسنة الثالثة على التوالي، ينظم نادي حيفا الثقافي أمسية ثقافية إحياءً لذكرى مجزرة مخيم تل الزعتر استضاف فيها د. يوسف شحادة، الشاعر والفنان زاهد حرش، الفنان ظافر شوربجي وعرافة المحامي حسن عبادي وذلك يوم الخميس 09.08.2018.
استُهلت الأمسية بلمسة وفاء من خلال معروضة محوسبة عن المجزرة باللغة الروسيّة، ترجمها إلى العربية د. أنور جمّال وقرأتها خلود فوراني سرية.
افتتح الأمسية مرحبا بالحضور رئيس النادي المحامي فؤاد مفيد نقارة، فأثنى على مواظبتهم حضور الأمسيات الثقافية. قدم بعدها شكره للمجلس الملي الأرثوذكسي الوطني لرعايته الدائمة لأمسيات النادي.
كما هنأ صديق النادي الشاعر هادي زاهر إصدار مجموعته “تعويذة الحب والياسمين”.
قدم بعدها لمحة عن مجزرة تل الزعتر مشيرا لأهمية الموضوع بما يتماشى مع رسالة النادي حيث وضعنا نصب أعيننا في “نادي حيفا الثقافي” إحياء ذكرى مذبحة تل الزعتر، ومحاربة كل أشكال التغييب أو التهميش للمجزرة؛ التي ظلت خارج الضوء، ولم تحظ بتغطية كافية من وسائل الإعلام التي تناقلتها بانتقائية وضبابية.
أما إدارة الأمسية فتولاها المحامي حسن عبادي فقدم تحيّة مسجلّة من الدكتور يوسف عراقي، وقال: “يسألوننا: “لماذا تلّ الزعتر؟ نجتمعُ لنقصّ حكايةً عمرُها اثنتان وأربعون سنة، نجتمعُ، ولا أقول نحتفي. فهل نحتفي بأجسادٍ فرشت الأرضَ بموتها أم نحتفي بدماء صبغت الثرى باحمرارها؟ أم بدمعٍ حفر حبرَه في ترابها؟ نجتمع اليوم كي لا ننسى، نجتمع كي نتذكّر، فهل تخونُ الذاكرة فتتعبُ؟ وهل تعطبُ؟ إذا كان التاريخ ابنَ الماضي فإن الذاكرة تحييه حاضرًا وتنقُشه بحروف تأبى النسيان.” وذكر أن اليوم ذكرى وفاة محمود درويش، وهو القائل في قصيدته “أحمد الزعتر”: تلّ الزعتر الخيمة.. وأنا البلاد و قد أتت.. و تقمّصتني وأنا الذهاب المستمرّ إلى البلاد.
وهنأ باسم النادي الشاعر زاهد عزّت حرش بديوانه “نهدُكِ وجراحي”، وكذلك الشاعر يوسف مفلح الياس بديوانه “أعدّوا طريقًا للنور” والشاعر فؤاد بيراني بديوانه البكر: “غربيّة”
ثم بعث تحيّة كرمليّة حيفاويّة للشاعرة الزعتريّة رحاب كنعان وإلى أهلنا المُحاصَرين في الغيتو الغزّي معلنا: ستكون لنا أمسية مع رحاب وأدباء غزّيين رغم الحصار.
في باب المداخلات قدم د. يوسف شحادة مداخلة بعنوان “تل الزعتر حكاية الألم والأمل” تحدث فيها عن قضية الانسان فيها مسهبا اثنان وأربعون عاما مضوا على تسوية المخيّم بالأرض، ركامُه وأطياف الذكريات الأليمةِ تصرخُ من هنا مرّ اللئامُ، واللاجئون الذين تشتتوا يصرخون معلنين بأننا لن نسامح ولن ننسى حتى يفرّقَ الموتُ بيننا. تمرّ السنون ويتذكر الناجون بصمت تلك اللحظات الرهيبةِ التي تبرّأ منها العربُ قبلَ الغرب وكأن اللَّهُ “ختم عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ، وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ”. سَهُلَ عليهم اعتناقُ القتلُ دينا واحترافُ الفانتازيا لتبرير قبحِ أفعالِهم، وباسم “التسامح الطائفيّ” تحرروا من قيود المنطق والعقل، جمّدوا مشاعرَهم، استنهضوا الظُلمَ في عَتمة ليلٍ التَحف فيها أطفال عاصمةِ الفقراءِ السماءَ واشتهوا الدمَ الفلسطيني لأنه ذو رائحةٍ وطعمٍ غريب عنهم.
تلاه الشاعر الفنان زاهد حرش قراءة له في كتاب “إيقاعات زمن مختلف” بعنوان ” توفيق عبد العال قارب عشق على شواطئ المنفى” تناول فيها إبداعات الفنان العكي توفيق عبد العال مشيرا للإبداع الفلسطيني جاء فيها أن كُل ثقافةٍ مَهمَا اتسعت أفاقها لا بُد وأن نَجد فيها أطياف مُتصلةً مع مَنبعِها.. كَذا هو الأمر في الإبداع الفلسطيني، على تَعددِ إنتاجهِ، فإن رُموز الوَطن السَليّب، الاقتلاع، التشرِيد، المَنفى، الحَنين، الخِيام، التَحدي، الصُمود، الثَورة، الحرية، العودة.. كُلها رُموز تَداخلت في العَطاء الإبداعي لشَعب يَستحقُ الحياة. وبما أن الفنون التشكيلية بكل ما أمكنه أن يحمل صِفة الشَكل الإنشائي لتَصَور ما.. هذا الفن المُمتد في جَوف تَاريخ هذهِ الأرض.. أرض فلسطين، حَمل أصحابهُ وناسِجيّ موتيفاتهُ كُل الرُموز المُنبعثةِ من قلبِ الحَدث الفلسطيني، فقلّما تَجد فنانا تشكيليا فلسطينيا، سافر في متاهاتِ الرؤيةِ اللونيةِ، دُون أن تَحمل أعمالهُ جُزءًا رَمْزَوياً من تاريخ فلسطين ومأساتها.. وكذلك هو أيضًا الفنان العكي توفيق عبد العال.
أما المداخلة الأخيرة فكانت مع الفنان ظافر شوربجي وقراءة خاصة له حول كتاب “إيقاع زمن مختلف” بعنوان “لن تأكلنا الضباع” أكد فيها على وجود فلسطين راسخة في الوجدان الفلسطيني منوها أن تمكن المحتلون من طرد الفلسطينيين من أرضهم وتم تهجيرهم وتشتيتهم في المنافي ولكن لم يتمكن المحتل من إخراج فلسطين من وعي ووجدان الفنان والمبدع الفلسطيني، وهذا ما تجلّى في كثير من الأعمال واللوحات لتوفيق عبد العال وشكّلت عكا كما يافا وبحرها والصيادين وشباكهم كما لم تغب فلسطين بناسها ببحرها، سهولها بياراتها وجبالها عن أعمال الفنان، ظل وسيبقى هاجس فلسطين ملازمًا لكل فنان فلسطيني وعربي حقيقي. وختم مستشهدا بمقولة طيب الذكر سلمان ناطور حول أهمية الحفاظ على الذاكرة الجمعية قائلا “ستأكلنا الضباع إن بقينا بلا ذاكرة” ستأكلنا الضباع. مشيرا إلى أن هذا بالضبط ما قصدته وتسعى لتحقيقه المؤسسة الاسرائيلية من الاستفراد بقطاعات من أبناء شعبنا من سلب ممنهج للهوية، اللغة، والذاكرة الجمعية لنا كشعب وأفراد. لن تأكلنا الضباع.
هذا وتخلّلت الأمسية شهادة بنت الشاطرة، السيدة منى أحمد قيس (إم أحمد)، ممن نجَوا من براثن الموت، لتروي لنا بعضًا مما لاقته من معاناة أثناء الحصار، وقامت بتسليم المحاميين فؤاد نقارة وحسن عبادي مداليات وشهادات تقدير مقدّمة من لجنة إحياء ذكرى المجزرة في الشتات (ومن الجدير بالذكر أن درع التكريم للنادي في طريقه من بيروت إلى حيفا كما جاء في كلمة د. يوسف عراقي).
يجدر بالذكر أنه تخلل الأمسية معرض لوحات للدكتور يوسف عراقي والفنان التشكيلي الراحل توفيق عبد العال.
نلتقي الخميس القادم 16.08.18. في أمسية مناقشة الأعمال الروائية الثلاثة الأخيرة للروائية بثينة العيسى بمشاركة د. لينا الشيخ حشمة، الشاعرة فردوس حبيب الله، قراءات شعريّة للشاعرة نجاة الفارس وعرافة الشاعرة سلمى جبران.
خلود فوراني سرية