الوقفة الأولى… مع نداء محمّد بركة
النداء ترجمة عن العبريّة: (العنصريّة والشرّ تحلّق لسموات مظلمة، حين يقترح نتنياهو لأخوتنا الدّروز قانونا خاصّا يعطيهم مركز مواطنة صنف “ب”. مُت وأمِت وخذ درجة “ج” في المواطنة.)
وبالعربيّة: (أقول من هنا من على هذه المنصّة، منصّة لجنة المتابعة العليا… أقول لأهلنا المعروفيّين الأقحاح: لقد فرّقونا بفرض التجنيد الإجباريّ عليكم، ثمّ لم يفرّقونا عندما أخرجونا من المواطنة ومن الحقوق. وأنا أناديكم وأدعوكم إلى البيت ويجب أن يلتمّ بكل أهله والبلاد اشتاقت إلى أهلها سويّة).
لا يساورني أدنى شكّ في نوايا محمّد بركة ولا في صدق ندائه، ولعلّ نبرة صوته في قوله “البلاد اشتاقت إلى أهلها سويّة”، البيّنة. ولكن ربّما هي فرصة لنقول ما سكتنا عنه طويلا يأسا وإحباطا، وكي لا نحوّل معركتنا عن وجهتها الحقيقيّة في وجه المؤسّسة، ومن الناحية الأخرى وانطلاقا من الإيمان في صدق نداء رئيس المتابعة لنضع أمامه الواقع كما هو تسهيلا لتلبية هذا النّداء.
الوقفة الثانية… مع الدّعوة والتلبية
محمّد بركة شخصيّا وبمواقعه المختلفة رافق صعود ونزول دالّة الخطّ البياني للعمل الوطنيّ العربيّ الدّرزيّ والوطنيّ العربيّ بين العرب الدّروز، ورافق “نضال!” القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة للانضمام للجنة المتابعة، وفشلَ هذا “النضال” بسبب عدم قدرة لجنة المتابعة على البتّ في الأمر لأسباب وتبريرات لم تُقبل حينها ولا ولن تُقبل اليوم. وحيث أن الفرصة ربّما تكون مواتية لتصحيح هذا الخطأ، الذي أقلّ ما يُقال فيه أنه كبير، وربّما يجعل قانون القوميّة ب-“أفضاله” علينا جميعا، الفرصة أكثر مواتاة الآن، فلا بدّ من الإشارة إلى ما كان وعلى الأقل حتّى لا يكون ما كان!
الدعوة وحتّى الصادرة من سويداء القلب كما دعوة بركة، لن تكون كافية لتلبية النداء لأن التراكمات والرّكام في الطريق أكثر من أن تُحصى، وكلّ كلام غير ذلك هو تجميل وضع غير جميل، والتجميل نوع من الكذب في أضعف الإيمان!
النداء وحتّى يكون أكبر وقعا كان يجب أن يُضاف إليه: “وأقولُ لبقيّة الأهل؛ أولا الناس وثانيا الفاعليّات والأحزاب والحركات، اللجنة على مركّباتها، والمشتركة على مركّباتها، افتحوا الأذرع فعلا لا قولا…” وأقول (أنا الكاتب): لأن البيت المشتاق إلى أهله سويّة يجب أن يُترجم اشتياقه هذا ميدانيّا، فالأم أو الأب لا يعامل ابنه الأصغر حسب إمكانيّاته الجسديّة، وفي سياقنا المُقاسة بعدد أصواته!
الوقفة الثالثة… مع التذكير والذكرى والدّالة البيانيّة العروبيّة.
دالّة الخطّ البياني للعرب الدّروز الانتمائيّة العربيّة (الهُموميّة، ولا أقصد العرقيّة فهذه مفروغ منها) وحتّى العام 1956م لم تكن بأقلّ من دالّة بقيّة العرب (واتركونا من القال والقيل وليراجع المعنيّ كتاب الدكتور شمعون أفيفي “طبق النحاس”). هذه الدّالة بدأت في الهبوط بعد نجاح فرض التجنيد الإجباريّ في هذا العام، ولكن بدأت الدّالة تعود لتتقارب ففي انتخابات الكنيست 1969م عبّر الدّروز عن ذلك بتصويت مئاتهم للحزب الشيوعيّ، وللمثال ففي بيت جن صوّت للحزب في الانتخابات التي سبقت خمسة (5) مصوّتين وفي هذه (156) مصوّت. (ومرّة أخرى اتركونا من القال والقيل وعودوا إلى صحف الحزب الشيوعيّ ويديعوت أحرونوت التي خرجت بعنوان: “حتّى أنت يا بروتوس”).
الدّالة تابعت الصّعود حين أطلق طيّبو الذّكر؛ الشيخ فرهود قاسم فرهود والشاعر سميح القاسم والسيّد عاصم الخطيب وبدعم الشيوعيّين والوطنيّين القوميّين الآخرين “لجنة المبادرة”، واستمرّت الدّالة صعودا إلى العام 1981م حين اضطر الشيخ فرهود للاستقالة (ولا حاجة الآن للدخول في التفاصيل والأسباب، في هذه السنوات كان الكاتب سكرتيرا للمبادرة وعايش الأزمة). وبدأت الدّالة بالتراجع إلى ما بعد انتفاضة الزّابود 1987م، وانتخابات الكنيست 1988م وترشيح الكاتب محمّد نفّاع تناوبا، (وللمثال حصلت الجبهة في بيت جن على المكان الأول قرابة ال-600 صوت)، ولاحقا هبّة رؤساء المجالس عام 1991م.
في انتخابات الكنيست عام 1992، الكلّ يعرف ما الّذي حصل مع محمّد نفّاع، وهذا جعل الدّالة تعود للتراجع، واستمرّ هذا الواقع حتّى العام 1999م حين “تفرّق القوم أيدي سبأ”، لجنة مبادرة منقسمة للجنة وحركة، وانطلاق “ميثاق المعروفيّين الأحرار” ومشروعه التواصليّ. بدأت الدّالة تتعافى مرّة أخرى لتبلغ أعلى درجة لها في التقارب مع الخطّ البيانيّ العربيّ العام، إلى أن ضُربت مرّة أخرى عام 2010م بضرب سعيد نفّاع. جاء ترشيح د. عبد الله أبو معروف عام 2013م ليعدّل فيها قليلا، إلا أن “شهر العسل” لم يطُل، ولنتذكّر أن الحديث يدور عن عامّة الناس وليس عن القوى الوطنيّة والتقدمية.
مرّة أخرى، كلّ من يحاول أن يقرأ الخطّ البيانيّ للدّالة “غير شكل”، فهو إمّا خطّاء أو مخطىء في أضعف الإيمان. وحتّى لا يتّهمنا أحد بمحاولة وضع الحدّ في “مارس” الآخرين، مسبقا أقول: الحدّ في “موارسنا” جميعا، كلّ القوى الوطنيّة العربيّة بهيئاتها وأحزابها وحركاتها وأطرها، والاختلاف الوحيد هو فيما بين: فريق “اللي إلي إلي واللي إلك إلي! أو أنا ومن بعدي الطوفان!” وبين فريق: “اللي إلي إلي واللي إلك أعطي منّه شوي! أو أنا وإياك ومن بعدنا الطّوفان!”.
الوقفة الرّابعة… مع الخبّيزة!
حتّى لا يتفتّق ذهن أحد عن سؤالنا؛ أين دور المؤسّسة؟!
نجيبه؛ المؤسّسة “بنت كلب” ومعرفة ذلك ليست عبقريّة، ولكن ليس إذا ما “طلعت الخبّيزة” المسؤولية على المؤسّسة!!
الوقفة الخامسة… مع الذكرى والتذكير و-“النضال” في وجه لجنة المتابعة.
أولا: عام 2005 وتحديدا في الخامس من آب وجّه الكاتب رسالة شخصيّة ومفتوحة لرئيس لجنة المتابعة حينها السيّد شوقي خطيب (نُشرت في الصّحف)، يطالبه فيها بتنفيذ قرار اللجنة بعقد “المؤتمر الوطنيّ ضدّ التجنيد والتطوّع” لما في ذلك من دعم كذلك للقوى الوطنيّة العربيّة الدّرزية في مقارعتها التجنيد الإجباريّ، محتجّا على “المَطْمَطَة”.
ردّ باسم المتابعة سكرتيرها حينها السيّد عبد عنبتاوي، وتحديدا في ال-15 من آب ذلك العام (نُشر الرّد في الصّحف)، يدحض ما جاء في ادعاءات الكاتب وإن ب-“لغة صديقة” مؤكّدا أن المؤتمر وإن تأخّر سيعقد. ولم يُعقد المؤتمر حتّى الآن!!!
ثانيا: لاحقا وعلى ضوء إعادة تنظيم لجنة المتابعة وإقرار دستورها الجديد وعينيّا الأعوام 2010 وبداية ال-2011، وبعد أن كان انتخب السيّد محمّد زيدان رئيسا للمتابعة، طرح الكاتب تباعا على رئيس المتابعة وقيادات الأحزاب والحركات العربيّة، تصوّرا خطيّا مفصّلا حول العمل العربيّ الوطنيّ بين العرب الدّروز، والحاجة إلى أخذ أطرهم الوطنيّة بالحسبان في الهيئات الجديدة (ممثل عن لجنة المبادرة الدرزيّة وآخر عن ميثاق المعروفيّين الأحرار أسوة على الأقل بأبناء البلد)، إلا أنّ اللجنة عجزت عن أخذ قرار، لا بل أستطيع أن أجزم أنها لم تُرِد أخذ قرار، رغم أنه تزامن مع ذلك (5.3.2010) تقديم طلب خطّي رسمي من قبل “ميثاق المعروفيّين الأحرار” للانضمام للّجنة تنظيميّا. لم يتلقّ الميثاق ردّا على طلبه حتّى اليوم!
وسؤال آخر “ملأنا حتّى الآن أفواهنا ماء” عن طرحه ومرّة أخرى كي لا نوجّه أسهمنا في الاتجاه الخطأ: أين كانت لجنة المتابعة، كلجنة وليس بعض مركّباتها القليلة، من محاكمات التواصل منذ أن بدأ التحقيق عام 2007 إلى أن صدرت آخر الأحكام عام 2015؟!
آمل ألّا يتنطّح أحد ليقول لرفع العتب: الحقّ على القوى الوطنيّة العربيّة الدّرزيّة والخلاف بينها!
ثالثا: هنالك تفاصيل أخرى كثيرة لا أريد أن أتعب القارىء أكثر ممّا أتعبته حتّى الآن، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى اللقاء الذي جمع رئيس لجنة المتابعة السيّد محّمد زيدان وفي بيته، والشيخ رائد صلاح، والرئيس الحالي للمتابعة السيّد محمّد بركة، ورئيس ميثاق المعروفيّين الأحرار الشاعر أسامة ملحم، والكاتب، والتلخيص الذي تمّ فيه وبقي يتيما حتّى اليوم!
الوقفة السادسة… ومع عفا الله عمّا مضى!
عفا الله عمّا مضى، لكن العفو ليس أبدا معناه نسيان الخطأ أو تناسيه، وإنّما ليكون لنا علامات في الطريق نحو البيت المشتاق لأهله سويّة، فإن لم نأخذ بالحسبان هذه الأخطاء وبكلّ شفافيّة وجرأة فالطريق الصّعب أصلا سيكون أصعب، وحسنا يفعل المجلس العام للجنة المتابعة والسكرتارية إن اتّخذا القرار الآن بإقرار طلب انتساب ميثاق المعروفيّبن المقدّم من 5.3.2010 وقبول الاقتراح بضمّ ممثّل عن لجنة المبادرة الدرزيّة لسكرتارية المتابعة وتمثيلا ملائما في المجلس. والعمل معهما على لمّ شمل القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة الكثيرة كثيرا أكثر ممّا يُتصوّر. ولنتذكر سويّا مرّة أخرى نتائج مؤتمر هرتسليّا ودراسة القسم المتعدّد الثقافات في جامعة حيفا، عام 2008، ولنتذكّر معطيات الناطق العسكريّ عام ال-2013 وهذا العام 2017.
الوقفة السابعة… ومع عتاب أهل البيت.
آمل أن يعتبرّ المعنيّون مقالتي هذه “كلمة عتاب” ليس إلا، صادرة من “ألمِ” ابن البيت الذي اشتاق لأبنائه سويّة.
سعيد نفّاع
12 آب 2018