تصادف هذه الأيام ذكرى رحيل المفكر والروائي والمثقف النخبوي العروبي السوري وداعية التنوير العربي مطاع صفدي، الذي توفاه الأجل في السادس من حزيران العام ٢٠١٦ في بيروت بعد حياة حافلة وزاخرة بالابداع في مجال الفلسفة والأدب، وغادر الحياة وهو يتحدث عن براءة الفكر والصيرورة.
مطاع صفدي من أبرز وأشهر اعلام الفكر الفلسفي العربي المعاصر، كان له دور بارز في نشر وتأصيل الفكر التنويري، ورعاية وترجمة العديد من أهم أمهات كتب الفلسفة والفكر الى العربية.
تأثر صفدي الفلاسفة الغربيين المعاصرين الملتزمين بهموم وقضايا شعوبهم، فبدأ وجوديًا متأثرًا بالتيار الوجودي الذي تزعمه جان بول سارتر، ثم تبنى الفكر القومي العربي منهجًا للتحرير، فانضم الى حزب البعث العربي، لكنه سرعان ما استقال منه بعد فترة وجيزة، وانتقده في كتابه الشهير الموسوم ” حزب البعث.. مأساة المولد ومأساة النهاية “، وقال أنه اكتشف أن البعث لا يخدم الأهداف الحضارية العربية. انشأ صفدي مجلة ” الفكر العربي المعاصر ” العام ١٩٧٩ وسخرها لاحياء ” فكر التنوير ” وجعلها فضاءً واسعًا للتفاعل بين الفكر العربي والفكر الانساني العقلاني، واعتبرت من أهم الدوريات العربية الصادرة التي عنيت وتخصصت في نشر دراسات الفلسفة والفلاسفة المؤسسين وخاصة الفلسفة الحديثة.
كذلك أسس مركز الانماء القومي في بيروت، الذي تبنى مشروع الترجمة البحثية العلمية للكتب التأسيسية في مجال الفلسفة، وكذلك طباعة كتب أساسية لفهم الحضارة الاسلامية في مراحل نهوضها وانحطاطها. وكان صفدي يدعو الى عصر تنويري عربي معاصر لا يمكن أن تقوم نهضه بدونه، لأنه حتى الآن لم تمر الحضارة العربية بعصر تنوير فيما بعد انحطاط حضارتها.
وكان يرى في التنوير ” فعلًا كفاحيًا ينازل فيه النور الظلام في وضح النهار “، ولأحداث هذا التنوير برأيه فان العقل بالذات يحتاج الى اعادة نظر في ذاته وليس فقط في موضوعاته، وهذا هو عمل الفيلسوف العربي الآن اذا كان هناك فيلسوف عربي، وهو أن يشتغل على تحليل البنية العقلانية للعقل العربي بالذات، والعقل العربي طبعا عقل انساني ليس عقلًا خاصًا لكنه ضمن تجربته التاريخية أصبحت لديه أنواع من العقد الباطنية التي يجب الكشف عنها ليحدث في يوم من الايام تغير حقيقي “.
ولم يقتصر انتاج مطاع صفدي على العمل الفكري والكتابة الفكرية الفلسفية، بل اهتم بالانتاج والابداع الأدبي.
وكان قد نشر مجموعة من القصص القصيرة في مجلة الآداب اللبنانية الشهيرة، التي شكلت حاضنة للفكر القومي العروبي والمنهجية الوجودية، وألف أعمالًا في الرواية والمسرح، منها: جيل القدر وثائر محترف، وأشباح وأبطال.
أما في مجال الفكر والفلسفة فقد صدر له: فلسفة القلق، والثورة في التجربة، واستراتيجية التسمية في نظام الأنظمة المعرفية، نقد العقل الغربي: الحداثة ما بعد الحداثة، نظرية القطيعة الكارثية، نقد الشر المحض، نظرية الاستبداد في عتبة الألفية الثالثة، والأدب الحدسي وأزمة البطل المعاصر.
مطاع صفدي مثقف اشكالي، أسهم في اثارة الكثير من الأسئلة حول جدية المشروع الثقافي وعيوبه النخبوية، وحاول عبر الكثير من طروحاته وأفكاره ومشاريعه فتح قنوات حوار وتثاقف وتلاقح مع اسئلة العقل العربي، وهو يعد من أهم الوجوه النقدية الفلسفية العربية المعاصرة، وسندباد الفكر الفلسفي الحر .
فسلامًا لروحه وعاشت ذكراه خالدة.