بقلم: شاكر فريد حسن
أهدتنا الكاتبة الروائية ميسون أسدي روايتها الجديدة التي صدرت قبل فترة وجيزة، واطلقت عليها عنوان ” فيتا .. أنا عدوة أنا”، والأصح ان تكون قد كتبت أنا عدوة نفسي.
ميسون أسدي هي كاتبة فلسطينية من دير الأسد، وتعيش في حيفا مع زوجها الفنان أسامة مصري، عرفت بكتاباتها للأطفال والصغار ، ولها مجموعة من القصص للكبار، وكان قد صدر لها روايتان هما: ” مثلث توت الأرض ” و ” وتراحيل الارمن”.
وهي كاتبة تغرد خارج السرب، وتخوض في الممنوعات والمحرمات، وتستمد من تجربتها الحياتية الثرية مواضيع ومضامين قصصها ورواياتها.
جاءت الرواية في ١٤٠ صفحة من الحجم المتوسط، ولوحة غلافها ” الأرملة ” للفنانة فيتا تانئيل، وأهدتها الى” أرواح الأدباء الروس، الذين غمرتهم سكينة اللحود، وتركوا أثرًا وإرثًا إبداعيًا في روحي، أرسم لوحتي هذه انطلاقًا من بيئتهم نفسها وأقدمها لأرواحهم، وهو أصعف الإيمان”.
وقدمت ميسون لروايتها بكلمة، ومما جاء فيها: ” منذ ان خرجت من بيتنا في قرية دير الأسد، للدراسة والعيش والعمل وزيارة بلدان بعيدة، تراكم في اللاوعي رويدًا رويدًا، أنني قد أكون أية شخصية في هذا الكون، ليس شرط أن أكون فقط وبالتحديد من شمال فلسطين، حيث ولدت وترعرعرت، مع تطور وعيي، أصبحت أشعر بوضوح أنني أنتمي لهذا الكون وليس الى مكان محدد، ومع انطلاق أول رواية طويلة لي، أخذت- دون قصد- في الكتابة عن عوالم بعيدة عني كل البعد، والأمر ذاته حصل معي في الرواية الثانية، فطفت مع أبطالي في أنحاء الكون.
لا أكشف سرًا إذا قلت إنني من المولعين بالأدب الروسي الكلاسيكي. فكلما انتهيت من مطالعة أية رواية روسية، تهتز روحي وأتخيل نفسي أقوم بكتابة رواية أبطالها شحصيات روسية، مع الأسماء ذاتها التي قرأتها لدى ديستويفسكي وجوجول وتشيخوف وتولستوي وتورجنييف وايتماتوف وحمزاتوف وغيرهم، حتى أنني بنيت في مخيلتي بطلة لقصة ما، وأصبج دأبي أن ألتقي الشخصية التي رسمتها في مخيلتي، وفي أسفاري البعيدة وخاصة الى شرق أوروبا، مثل رومانيا ومولدوفا وبلغاريا وأكرانيا وتشيخيا وغيرها، كنت دائمة البحث عن هذه الشخصية، حتى أنحت عليها تمثال قصتي”.
تدور رواية ميسون أسدي حول شابة روسية اسمها فيتا من أكرانيا، تقطن مدينة خيرسون، وهي ميناء على البحر الأسود ونهر الدنيبر، وتصحبها الكاتبة من قبل أن تولد وتحديدًا في منتصف القرن الثامن عشر مرورًا بولادتها في أواخر القرن الناسع عشر، وحتى أوائل القرن العشرين.
ثم تأخذنا في رحلة سردية مثيرة ومشوقة وممتعة في عمق تفاصيل لا يدرك كنهها سوى من واكب واطلع على الأدب الروسي الكلاسيكي، وتقدم لنا لوحات قصصية تغرفها من الواقع الروسي بتقنية عالية تجذب القارىء.
بطلة الرواية “فيتا ” ولدت لأب ثمل وسكير وأم مغلوب على امرها، تنتمي لجذور يهودية رغم انها لم تتشرب القيم اليهودية. وقد عاشت هذه الفتاة وترعرعت في اسرة فقيرة جدًا، ووسط علاقات اجتماعية محدودة، ثم هاجرت الى اسرائيل بغية تحسين وضعها المعيشي، وتتعرف على شاب عربي فتحبه ويحبها ويتزوجان وينجبان طفلة، وذات يوم تكتشف أنها تعاني متلازمة ” اسبرغر ” كقادمةجديدة للبلاد، وجراء ذلك تكسب أموالًا طائلة، وتعود فيما بعد لوطنها الأصل مع شريك حياتها العربي وابنتهما، وتشتري بيت اهلها القديم، وتتصالح مع نفسها ومع اقربائها.
وتلجأ ميسون في رواياتها الى استخدام أسلوب السرد الفني، المعروف بالفلاش باك، لتروي السيرة الداتية لبطلتها ومذكراتها، وما عانته من اضطرابات نفسية وسلوكيات وصعوبة التكيف الاجتماعي والسلوكي والشعور بالوحدة والانعزال.
ويبدو بشكل واضح وجلي تأثر ميسون أسدي بالأدب الروسي الكلاسيكي وأعلامه، وذلك بانتقائها اسم بطل روايتها والأماكن والمواقع المرتبطة واللصيقة بها، وقد أشارت الى ذلك في المقدمة، طامحة أن تكون مثلهم في المستقبل. وكذلك استحضارها وتوظيفها لأسماء فنانين تشكيليين عالميين مثل دافنشي وسالي وسواهما، ما يدل على ثقافتها التشكيلية.
وتفتقر الرواية للحبكة القصصية ولعنصر الخيال، وهما عنصران أساسيان في كتابة الرواية، ولكن عنصر التشويق طغى على الرواية منذ بدايتها وحتى نهايتها، وهذا يسجل لصالحها.
ومن نافلة القول، أن الواقعية تطغى على كتابة ميسون أسدي، وهي تستمد مضامينها من تجاربها وخبراتها العملية والحياتية الغنية، في حين نجد لغتها جميلة فصيحة بليغة وشفافة، دون مبالغة في الوصف والتوصيف، وقريبة الى الذوق الفني الشغبي العام.
رواية ” فيتا “هي تجربة أخرى تضاف الى تجارب ميسون أسدي الابداعية، وتشكل اضافة نوعية وكمية مهمة للسرد القصصي والروائي الفلسطيني في البلاد، وللأدب الواقعي، ونجدها كاتبة دائمة التجريب والتطوير في نصها وأسلوبها السردي ولغتها وقدرتها على بناء الأحداث والشخصيات والغوص في عالمهم ونفسياتهم.
فللصديقة الكاتبة المجيدة ميسون أسدي أجمل التحيات والتمنيات بمواصلة العطاء في مجال القص الروائي، ومزيدًا من الابداع والتألق.