وين راح بابا؟ حول مراسيم ما يسمى ب ( ذكرى الشهداء)

 

هادي زاهر عسفيا

جرى يوم الأربعاء في المقبرة العسكرية في قرية عسفيا مراسيما يسمى ب  (ذكرى الشهداء) ذكرى الضحايا الشباب الدروز الذين سقطوا في معارك إسرائيل، والحقيقة هي أن تدني عدد الحضور يعود إلى عدة أسباب منها أن المراسيم تعود على نفسها باستمرار خاصة بالنسبة للمندوب الحكومي الذي يأتي كل عام ليتحدث بنفس الكلمات والتي يعترف من خلالها بان وضع الطائفة الدرزية غير جيد وان الحكومة ستعمل على تحسين الوضع، ومنها أن الحكومة اقامت عدة مقابر عسكرية في بعض القرى الامر الذي يقلص عدد القادمين إلى قرية عسفيا، لقد اقامت الحكومة مقابر عسكرية لنا بدلا من ان توسع مناطق نفوذ قرانا كي ينعم الاحياء بالحياة الكريمة بعيدا عن الملاحقات بسبب البناء غير المرخص، إن الدول المتطورة والعادلة توفر الأرض لبناء المساكن للمواطنين الشباب بدلا من الملاحقات، وقد حضر هذا العام ( وزير ) الاتصالات ” أيوب قرا ” الذي لم يبتعد عن  النمط المتكرر في خطابة بخصوص الوعود التي يطلقها الوزراء حول الطائفة الدرزية، حيث يأتون كل عام مع رزمة من الوعود، ما ميز خطاب السيد أيوب الذي كان طويلًا للغاية خلافا للمرات السابقة أنه استعرض المشاكل التي تدور في المنطقة، تحدث عن ايران وعن (جرائم) النظام السوري على حد قوله، طبعا كونه بوقا لم يتطرق إلى جرائم الولايات المتحدة وإسرائيل وربيبتها من التنظيمات الإرهابية التي تمدها إسرائيل وامريكا والدول الغربية والرجعية العربية  بكل ما تريد من سلاح وخدمات لوجستية وغذائية ومعالجة في مستشفياتها، كل ذلك ” كشير” اليس كذلك؟!! إن ما هو حلال على الدول المذكورة حرام على غيرها، ثم أن تبني المزاعم حول استعمال الأسلحة الكيماوية لم يثبت، تماما كما زعمت الولايات المتحدة بالنسبة للعراق فتبين ان مزاعمها كاذبة، وانما ما ثبت هو استعمال الإرهابيين لهذه الأسلحة.

 نستطيع أن نقول بان خطاب السيد قرا كان رائعا لو حذفنا – تسعة اعشاره – لقد اعترف بان الوضع الاجتماعي الاقتصادي لدى الدروز متدن لذلك قررت الحكومة منح قرانا منطقة افضلية ” أ “.

 ترى هل هذا الوعد كوعد ابليس في الجنة، اذ سبق وتم الإعلان عن ذلك عدة مرات كان ذلك بمثابة أبر تخدير لأهلنا البسطاء الذين يأملون خيرا، ترى هل سيكون الوعد هذه المرة صادقُا؟ نأمل ذلك و من حقنا أن نشك لان الوزير  سبق وقدم عدة وعود منها مثلا إقامة قرية درزية في حطين، كان الهدف زيادة الفرقة مع أبناء شعبنا وعندما تم رفض المشروع فيما إذا كانت هذه القرية ستقام على أراضي المهجرين الفلسطينيين لم نعد نسمع عن هذا المشروع، وطبعا نسمع في مثل هذه الخطابات عن الاستشهاد والاستشهاد مصطلح إسلامي لا علاقة له بمن يسقط في حروب إسرائيل لان الشهادة تكون دفاعا عن حق وليست طمعا في ضم أراض أخرى تابعة للغير، ثم عن ماذا استشهد هؤلاء الشباب، يجب أن يدق هذا السؤال في الجمجمة.. يجب أن يخضع لقرار الضمير.

 نحن مع أهلنا، قلوبنا معهم نشاركهم مشاعر الحزن على فلذات اكبادهم على فقدان امالهم، على أعز ما يربطهم بالحياة.. نحن مع الام التي أضحت “قرقودة” من الحسرة على ابنها.. تلك الحسرة التي امتصت حيويتها.. مع تلك الام التي ترفض أن تصدق، تلك الأم التي التهم الشوق كبدها.. التي لا تنطفئ دموعها ولا تجف، نحن مع الاب الثاكل الذي كان يرصد نمو ابنه يكبر ويصبح شابًا ليزوجه ويرى الحفيد الذي كان سوف يدخل البهجة في نفسه الذي طالما كان يقول ” من خلف ما مات” و “ما اعز من الولد إلا ولد الولد”، نحن مع الزوجة التي ترملت وتولت مسؤوليات جسام اكبر من احتمالها فاضحت فريسة للتعب والوجع، الذي سبب لها “الدسكات” واوجاع الرقبة والظهر، تلك الالام  التي ترافقها على مدار الساعة،  نحن مع الخطيبة التي بنت قصرًا في الهواء، تخيلت سعادتها مع من اختارته ليكون شريك لحياتها واليوم تندب حضها، نحن مع تلك الفتاة التي كان وجهها ورديا فاعتلاه الأصفر واستقر هناك، نحن مع الأخ الذي فقد اخاه الذي كان سندًا له، نحن مع الأخت التي كانت تشمخ  بقوة شخصية شقيقها وخفة ظله بين الصبايا، نحن مع الطفل الذي يسأل امه دائما بحسرة ما بعدها حسرة:” وين راح بابا؟” نحن مع الطفل الدي أبصر النور بعد مقتل والده والذي دخل الروضة وأضحى يسأل امه ببراءة الطفولة: “لماذا كل الأولاد لهم اب وانا لا اب لي” وماذا ستقول له والدته، هل ستقول له أن الوطن هو الأرض وأن السلطات الإسرائيلية منحتنا الالاف من الدونمات وأن كائنات غريبة هبطت من الفضاء لتسلب لنا ارضنا فتصدى لها واستشهد؟!!

ولكن.. على كل واحد منا ان يسال نفسه: لماذا عليَّ ان أكون خادما لقوى الظلام والعدوان.. لماذا عليَّ ان أكون أداة رخيصة أحارب شعبي كرمال من يسحقني يصادر ارضي ويحجب عني مستحقاتي.. لماذا أكون أداة حرب أيا كانت هذه الحرب.   

أهلنا الأحباء هناك أبناء في الطرف الاخر يقتلون على أطماع حكام إسرائيل، لهم اهل تماما مثلكم.. لهم مشاعر وحقوق تبطش بها إسرائيل التي تشردنا عن الانتماء لشعبنا وسط تخدير قطاعات واسعة منا بواسطة البرامج الدراسية التي أعدتها لأبنائنا والتي في محصلتها النهائية تضليلنا وحجب الحقائق عنا وهنا ندعو شبابنا إلى النهل من العلم، الطريق الوحيد المضمون الذي يجعلنا عصاميين بدلا من ان نبقى خداما. 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .