أضواء استعراضية على رواية “جاك مارتشادو” للكاتبة لما فراج ـ بقلم مسعد خلد  

 

  ‏‏לכידה

الكاتب مسعد خلد

رواية مشوّقة تقع في 150 صفحة من القطع المتوسط، صدرت العام 2017 للكاتبة الواعدة الشابة لما فراج من قرية الرامّه الجليلية، بلدة المبدعين والمبدعات ونواة العلم والثقافة للمنطقة المجاورة في فترة السبعينيات والثمانينيات.

   جاك بطل الرواية الصغير، والذي يفتح عينيه على أشعة الشمس الباريسية الحارة لتداعب وجنتيه النديتين، يوم ميلاده الاثني عشر، قدّم له والده جورج في تلك المناسبة هدية مميزة، هي عبارة عن قلادة فعل الزمان فعله بها، ولكنها سرّ الرواية وكل الحكاية، بالإضافة الى مسدس من الطراز القديم مرصع بأحجار ثمينة، قدمته له أمه ايزابيلا، والتي أضافت: “ستكون أنت ذلك البطل المغوار الذي سينقذ العالم من حكم الأشرار”!

   باختلاف المكان والقصة، تبقى عدة قواسم مشتركة حول العالم للأساطير والحكايات، أهمها الدماء التي تمثل وصف الروح وقوة الحياة، ومع تواصل هجرة الشعوب مثل الغجر واليهود والهنود، تمّ نقل بعض القصص والاساطير، ليحصل التلاقح الحضاري، ولتختلط القصص والأساطير لدى الشعوب المختلفة…وتعتمد أحداث الرواية التي بين أيدينا على الخيال الجامح، تأثرا بأساطير، حكايات وأفلام رعب، والتي اعتمد قسم منها على قصص (الأخوين غريم) في أوروبا، حيث شاعت قصصهم بين الناس بكثرة مثل قصة سندريلا، الامير الضفدع، هانسيل وغريتل، رامبيل ستيلتسكين، بياض الثلج والاقزام السبعة، ذات الرداء الأحمر، رابونزل.. أحداث هذه القصص وغيرها متخيّلة، وفي نهايتها ينتصر الخير، لينتشر الهدوء ويعم السلام بين أبناء البشر… وبالعودة الى هذه الرواية، فإن جاك وبمساعدة صديقته “ليلي”، أما العجوز اليوناني ذو الملابس البيضاء التي تشبه الى حد كبير ملابس اليونانيين القدماء، فقد ظهر على جاك في غرفته، وأخبره بأنه مراقب من اللحظة التي ولد فيها، وأنه سينقذ العالم من قوى الشر، بعد أن يقضي على حاكم الشر (ايميسوس) وأعوانه من الغيلان والمخلوقات الغريبة العجيبة، وذلك عندما يحين الموعد بعد أربع سنوات من عمر جاك…

   بالرغم من بعض الأغلاط النحوية واللغوية البسيطة (مثلا ص 131: روحهم بدل أرواحهم وصفحة 141: أية بدل أي معنى وبعض الهفوات والتكرار، إلا ان هذه الرواية تثبت ولادة كاتبة ذات حسّ أدبي مميز، وطول نفس في وصف البيئة والشخصيات وربط الاحداث بأسلوب سلس، مشوّق وجذاب، لتلائمها لجميع الأجيال من القراء، وهذه بداية رائعة للواعدة لما فراج، التي تعيش في قرية مختلطة، ليظهر من وراء سطور كتاباتها، تأثرها بأجواء العيش المشترك والتسامح والايمان بالله، من منطلق ثقافة إنسانية حضارية (ص122- ص114 – ص118 “مدينة القدس تدعونا الى التسامح لأننا جميعا نتبع لإله واحد”) ولم تنسَ الكاتبة انتمائها المعروف، ومسلكها التوحيدي حيث تختار “مدينة لوتس” وزهرة اللوتس (ص124) التي ترمز الى الخروج من الظلام الى الضوء، من الشر الى الخير والحكمة، ولها دلالات ورموز توحيدية عميقة الجذور، كذلك تدمج الكاتبة بين اختيارها “حجارة الخير السبعة” لتجعلها مركز أحداث الرواية وهي الوفاء، المحبة، التسامح، الصدق، الاحترام، الرحمة والايمان، لتظهر قناعتها وتعلقها بـِ “وصايا التوحيد السبع” وأهمها سدق اللسان، حفظ الاخوان، الايمان… كذلك “سبع وصايا أبناء نوح”: الايمان باله واحد، احترام الله، احترام الانسان، احترام مؤسسة الاسرة… وتقصد تأكيد كل الشعوب، الحضارات والثقافات العالمية على عجائب الرقم 7 ومن هنا فإن توظيف هذا الرقم، كعنصر تدور حوله الأحداث، هو اختيار موفق، يظهر ثقافة عامة على مستوً عالٍ لدى الكاتبة، حيث يظهر إلمامها باللغات المختلفة، خاصة اللغة الانجليزية بالإضافة للغات أخرى. أيضا برز هذا الموضوع من خلال دمج التاريخ، الجغرافيا، المعتقدات والحضارات المختلفة عند اليونان والرومان والروس والعرب وغيرهم من شعوب (مثال ذلك ص120-121) وعن وصفها لبلجيكا- بروكسل مقر المحكمة والقضاء والعدل(ص59)، الصين (ص76-كتابة بإشارات صينية)، باريس ومعالمها السياحية المميزة (ص23)، من سانت بيترسبورغ (ص88) الى روما موطن يوليوس قيصر ومهد كليمنتيا، حيث توظف المثل العالمي القائل “في النهاية كل الطرق تؤدي الى روما”.. هذه الثقافة المكتسبة والمدعومة بالمطالعة والتعلم والاستزادة، لم تثنِ الكاتبة عن إبداء آرائها الشخصية بخطابية مباشرة، ليزلّ مدادها ويوقعها في هوة التقريرية (مثال ذلك ص84: على ضوء الاحداث الكثيرة التي تحصل في دول كثيرة اليوم نرى ان العالم يغرق في دوامة سرمدية من الوحشية.. ص85:نصر المرأة وحقوقها والفئات المضطهدة الأخرى..ص119:الانوثة لا تكمن في ارتداء الفساتين وتلميع الأظافر والكلام بصوت أنعم من المعتاد…ص121: تشكل هذه المنطقة نزاعا كبيرا بين الديانتين ما زال مستمرا حتى يومنا هذا..” هذه الخطابية تؤثر على فنيّة الرواية وتخدش ذائقة المتلقي للعمل الأدبي إذا كان مُؤطّرا تحت ألوان أدبية متنوعة كالرواية أو القصة الفنيّة أو الشعر وليس نصا تقريريا أو إعلاميا، لذلك يجب الحذر من الوقوع في هذا المطب، والعمل على توصيل الرأي الشخصي على لسان الشخصيات، بأقل قدر ممكن من المباشرة، مع العلم أن الكاتبة نجحت بهذا الأمر، نسبيا، في بعض المواضع مثال ذلك (ص125: أتعلم لما ترمز هذه الزهرة؟ لم تنتظر إجابة هذه المرة أيضا وأكملت…”

أما في محور الوصف، فقد أبدعت، ومثال ذلك في وصف المشاعر الانسانية للأم ومخاوفها على أولادها، حتى لو تقدموا في السن ص92: “أسبوع لا أكثر”، “انتبه لنفسك وكن حذرا من الأفاعي. اتصل بنا كل ليلة قبل أن تنام. اشرب الكثير من المياه”…) أيضا تصف نفسية الناشئ التي تعزز ثقته بنفسه وبقدراته، التي تتعزز وتثبت بفعل تربية الأهل المنبثقة من قيم السلف، ومثال ذلك ص103:”علمه والده منذ أن كان صغيرا أن يثق بحدسه، ان كنت تشك بشيء فشكك بمحله، إن كنت تشعر بعدم الارتياح لأمر تفعله فلا تفعله، وإن كنت خائفا من شيء فعليك مواجهته، لا تستسلم، لا تتوانى ولا تجعل خصمك يشعر بخوفك أبدا..”

  أخيرا أشد على يديك الكاتبة الناشئة لما فراج، مع تمنياتي لك بالتقدم والتطوّر في أعمال أدبية قادمة، خاصة وأن لمسة الابداع تداعب قلمك الراقي!  

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .