استكمالا للندوات والتواصل مع المجتمع ضمن مشروع “التفكير الاستراتيجي” الذي يديره مركز “إعلام”، نظم المركز هذا الأسبوع وبالتعاون مع صالون “غسان كنفاني” في عكا، محاضرة تناول خلالها التحديات التي تواجه المجتمع الفلسطيني في إسرائيل والحلول المطروحة لمواجهتها.
وشارك في الندوة التي عقدت في مطعم المعلم في عكا القديمة العشرات من المثقفين والأكاديميين الذي ابدوا اهتماما كبيرًا في مشروع التفكير الاستراتيجي، الذي يسعى للمساهمةِ في الجهود الرامية لتحسين ظروف العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل عبر تفكير استراتيجي ينطلق من وضعهم الحالي صوب تطلعاتهم المستقبلية، كشرط أساسي للعمل على تحقيق أهدافهم، كما ويقوم بتفكيك التعقيد القائم بنظام حياة السكان العرب ووضع سيناريوهات مستقبلية محتملة، مع تحديد التدابير المطلوبة لضمان تحقيق النتائج المواتية ودرء ما هو غير مرغوب منها.
يُشار إلى أنّ نخبة من الأكاديميين والمثقفين العرب مشاركة في المشروع وقد صدر عنهم في السابق تقرير استراتيجي تعمل المجموعة الآن على حتلنته من خلال التواصل مع الجمهور وعرضه على أكبر شريحة مجتمعيّة ممكنة، سواءً شبابية أو نسوية، أو في الضفة الغربية وايضًا في غزة.
وشارك في الندوة في عكا ايضًا نخبة من الباحثين والمختصين منهم د. رُلى هردل- محاضرة في دائرة العلوم السياسية في جامعة القدس وعضو في مجموعة التفكير الاستراتيجي، المحامي قيس ناصر– محام مختص في قضايا الأرض والمسكن وطالب دكتوراة في القانون في جامعة تل ابيب، وبروفسور خولة أبو بكر- محاضرة في اكاديمية القاسمي وكلية الجليل الغربي، فيما ادارتها الناشطة النِسوية غدير الشافعي– مديرة جمعية أصوات وعضو مجموعة التفكير الاستراتيجي.
وبدأت الندوة بكلمات ترحيبية من الناشطة غدير الشافعي حيث أكدت من خلالها على أنّ فلسطيني الـ 48 يشكلون 12% من الشعب الفلسطيني عامةً، حيث يعيش قرابة الـ 12 مليون فلسطيني في أراضي الـ 48.
وأضافت الشافعي أنّ عدة تسميات الصقت بالفلسطينيين من النكبة إلى اليوم، وأنّه تم اقصائهم من كل الحلول السياسيّة ومسار المُفاوضات بحجة مواطنتهم واعتبارهم “شأن إسرائيليّ داخلي” يعيشون تحت غطاء الديمقراطية المموه والذي سقط بعد أن تم شرعنة عشرات القوانين العنصرية، المُصادرة لأراضي وحقوق وحريات الفلسطينيين، مما فضح وكشف سياسة ونهج حكومة إسرائيل تجاه فلسطيني الـ 48 وزيف ديمقراطيتها.
وفي مداخلتها، قدّمت د. هردل شرحًا عن مجموعة ومشروع التفكير الاستراتيجي، مُعّرفة بأهداف المشروع وأعضائه، ومؤكدة على ضرورة تبني المشروع لما يحمله من أهمية لقراءة التحديات التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني في الداخل.
وبعدها قامت بعرض التحديات التي يعاني منها الفلسطينيين في الداخل من وجهة نظرها متطرقة الى التحديات السياسية التي “نواجهها من حيث تعاملنا مع الدولة وتعامل الدولة معنا”، بالإضافة الى التحديات السياسية الداخلية المتعلقة بالأحزاب الفلسطينية في الداخل، القائمة المشتركة، لجنة المتابعة والسلطات المحلية العربية.
وأضافت د. هردل انّ، وأضف إلى التحديات السياسيّة، “فلدينا – كمجتمع- تحدي كبير يتعلّق بالقيّم، الأخلاق والمبادئ التي نعيش عليها”، فقد قامت بطرح اسئلة حول وجود عقد اجتماعي للمجتمع الفلسطيني بالداخل، او مصدر مشترك ومرجعية مشتركة للأخلاق والقيم، متسائلة “عن امكانية للاتفاق حول صيغة موحدة لمجتمعنا فيما يتعلق بالاسئلة اعلاه”؟!
بدوره، قام المحامي قيس ناصر بالترحيب بالحضور ومدح الحضور النسائي الغالب في الندوة من حيث المتحدثين والحضور.
اما بخصوص التحديات التي يواجهها المجتمع الفلسطيني في الداخل، قام ناصر بالإضائة على بعض المشاكل والتحديات العينية التي يعانيها شعبنا فيما يتعلق بقضايا الأرض والمسكن.
وعرض من خلال مداخلته سياسات مصادرة الأراضي والتضييق في الحيّز وما يعانيه مجتمعنا من شح في الأراضي، “فالمجتمع الفلسطيني في الداخل يملك فقط 2% من مجمل الأراضي في البلاد”- حد تعبيره.
و تطرق ناصر الى سؤال تخطيط البلدان العربية، وذكر انّ تقريبا 42% من البلدات العربية تفتقر لمخطط هيكلي يعمل على تطويرها، وأضاف بقوله انه بالرغم من ان المجتمع الفلسطيني يصوّر كمجتمع قروي إلا ان 94% من المجتمع الفلسطيني في الداخل يعيش في قرى في طور التمدّن، طارحًا التساؤل؛ هل لبلداتنا العربية مقومات الحياة المدنية؟! ومعتبرًا هذا التساؤل تحديًا لسلطاتنا المحليّة
واسهب المحامي ناصر متحدثًا عن سياسة هدم البيوت ومأساة القرى غير المعترف فيها في النقب. كما وتطرق إلى اقتصادنا المحلي وأهمية النهوض به والانفصال عن التبعيّة الإسرائيلية.
وطرق المحامي ناصر باب آليات النضال، اخيرا، حيث قام بطرح اسئلة مفتوحة حول آليات نضالنا، مشددًا على ضرورة عدم اختزال النضال بمطالب المساواة فقط، انما على أحقية البقاء، ومتسائلا عن اهمية التمثيل البرلماني وتعامله مع هذه التحديات وايضًا ضرورة تدويل قضايانا.
في القسم الأخير، قامت بروفسور أبو بكر بعرض تحليل المجتمع الفلسطيني في الداخل من منظور سياسي اجتماعي مستعملة تقاطعات لأربعة محاور وهي؛ أولا، العلاقة داخل الفلسطينيين، اي وضعية الفلسطينيين المواطنين في اسرائيل امام المركبات الاخرى للشعب الفلسطيني. ثانيا، علاقة الفلسطينيين، متمثلة بالسلطة الفلسطينية مع العالم العربي. ثالثا علاقة الفلسطينيين مع اسرائيل كدولة. ورابعا علاقة الفلسطينيين مع العالم.
وقالت بروفسور أبو بكر انّ العلاقة بين الفلسطينيين والعالم العربي، بشأنها ان تتأثر من العالم الغربي والإعلام العربي الاسرائيلي، الذي بدوره يتقاطع مع سياسات الجهل والتجهيل، التي قامت بتحويلنا الى ما يسمى “بعرب اسرائيل”، ومن هذا المنظور يقوم العالم العربي بالتعامل معنا كإسرائيلي، وهذا يختلف عن تعاملهم معنا كعرب مواطنين في اسرائيل، وهذا من شأنه زرع الشك في انتماء واخلاص هذه الفئة.
وأضافت بروفسور ابو بكر أنه يتوجب علينا أن نساهم مستقبلا في التحام العلاقة عن طريق تغيير وضع السياحة الى العالم العربي، الفنية والدينية، بالإضافة لذلك، زيارة الشتات الفلسطيني عليها ان تكون حق ومطلب انساني للفلسطينيين في الداخل، بالإضافة الى المطالبة بالحق في تسويق السلع الفلسطيني في العالم العربي.
وقد أشارت بروفسور أبو بكر الى اهمية رفض الزيارات الدينية الى العالم العربي المحصورة على دين معيّن كزيارة المسلمين للحج في السعودية وزيارة المسيحيين للحج في لبنان، مطالبة ان تكون هذه الزيارات مفتوحة لجميع الديانات بغض النظر عن اهداف الزيارة الدينية، لان هذه الممارسات تقوم “بشرخنا داخليًا” كشعب وتقوم بـ “شرعنة رؤية العالم العربي لنا كأديان وليس كشعب”.
واختتمت بروفسور ابو بكر بالتشديد على اهمية فتح العالم العربي للأكاديميين الفلسطينيين من الداخل ليصبح العالم العربي مكان للعلم ايضا.
بقي أن نشير إلى أنّ الندوة تلاها اسئلة من الجمهور للمتحدثين تطرق إلى أنواع التحديات التي ذكروها وإلى تحديات أخرى اضافية منها ما تعاني منه عكا من محاولة تهويد واستطباق من قبل جماعات يهودية ثرية، واختتمت بمداخلة قدمتها عضو إدارة “إعلام” وعضو مجموعة “غسان كنفاني”، كوكب خوري، متحدثة عن الصعوبات التي واجهت المجموعة في إيجاد مكان يحتضن ندوة سياسيّة في عكا!