مرض الانتحار “عندما تكون الحياة مضنيه يكون الموت ملاذا يسعى المرء اليه”

 

كايد سلامة

*المجتمع العربي الدرزي “حاز” على ثاني اعلى نسبة من المنتحرين في الدولة

ميز الله سبحانه وتعالى الانسان دون غيره، بالعقل والتفكير ليستنتج ما هو منطقي ويسلك سبل حسن الاختيار لطريق الصواب وعدم الانجراف وراء شهواته وانزلاقه اتجاه الانحراف حتى لا يصل الى العجز والاستسلام، الانتحار نتيجة لحاله بعد اليأس يشعر الانسان بأنه يواجه العالم لوحده وكأن كل الاذان التي حوله أصابها الصمم، ولم تمد له يد العون من أحد، هؤلاء اناس خفت صوتهم وضاقت بهم الحياة، لو كان هناك من يداوي جراحهم ويحن عليهم لما انتهى الحال اقله بقسم منهم بهذه المأساة.

نشرت منظمه الصحة العالمية تقريها المقلق والخطير لسنه 2014 تؤكد ان هناك 3000 حاله انتحار يوميه في العالم، وامام كل حاله 20 محاوله فاشله ما يعني 60الف حاله انتحار يوميا، واجمالي المنتحرين لنفس العام وصل ل 800 ألف حاله منتحر بمعدل حاله انتحار لكل 40 ثانيه! لكل شريحة او مجتمع له الأسباب والمشاكل التي يعاني منها قسم من افراده لتصل بهم الأمور لهذه الحالة، لماذا يقدم هؤلاء على هذه الحالة التي نهت عنها كل الديانات، تاركين ورائهم اهل او أبناء واخوه ومحبين؟

 مجتمعنا (الطائفة العربية الدرزية)، عجزت عن عمل أي شيء، خشيت ان ترفع الغطاء عن هذه الحالة، او التحدث عنها او محاوله معالجه أسباب هذه الظاهرة والخوض فيها لمحاوله محاربتها، اكتفينا بإلقاء اللعنة على فاعلها، وتخويف الاخرين من عواقب هذه الحالة يوم الحساب لردعهم من الاقدام على “حلول” مشاكلهم بهذه الطريقة، هذا الكلام ان لم يكن جزء من معالجه هذه الظاهرة يبقى مجرد ضريبة كلام حتى ولو كان من الاسفار المقدسة، من يقدم على الانتحار لا يعير أي اهتمام لأي شيء سوى التخلص من هذه الحياة التي اثقلت عليه. وراء كل حاله انتحار تكمن مشكلة او مشاكل يمكن ان تدين مجتمع برمته ديني ومدني، كل حاله تعبر عن فشل الفرد والمجتمع.

من المفروض على مجتمعنا بحث أسباب هذه الظاهرة بعمق، من الجهات المختصة والخوض في ادق تفاصيلها، لكن للأسف هناك شبه شلل عند اغلبية هذه الجهات أولها مؤسسه الرفاه الاجتماعي، التي من المفروض ان تشخص وتشير الى من هم أقرب الى هذه الحالة ومحاوله تقديم المساعدة لهم كونها على علم ببواطن الأمور او من المفروض ان تكون، وأيضا المجالس المحلية بصورة عامة غير مهتمة بتاتا بهذا الموضوع !. 

مجتمعنا “حاز” على ثاني اعلى نسبة من المنتحرين في الدولة، حسب الاحصائيات تصل الى212% بعد المواطنين القادمين من اثيوبيا، من البديهي ان نستنتج بأن هناك مشاكل كثيرة متراكمة، وامراض اجتماعية خطيرة منها العنف داخل المجتمع والأسرة، مشاكل عاطفية، اعتداءات جنسيه، عدم التأقلم بالجيش، بطالة .. الإدمان على المخدرات و …. هذه الحالة لا يمكن التغاضي عنها، لان هذه هي الصورة الحقيقية لمجتمعنا وهذه هي المرآه التي لا تخفي شيء، المشاكل التي تواجهنا لا يمكن الهروب منها الى الامام او محاولة تجميل الواقع بتحريفه، الصورة قاتمة جدا، لماذا هذا الخوف من بحث هذه الظاهرة!! لماذا كل هذا التقصير !!  لماذا لا تكون هناك حملة جادة للبحث عن تلك الحالات التي يعتقد ان ارضيتها مهيئة للإقدام على الانتحار و (محاوله تجبيرها قبل الكسر) وعلاجها قبل ان يصبح الوقت متأخرا.

أحيانا تصرف مجالسنا ملايين الشواكل على احتفالات ومناسبات هزلية نحن بالغنى عنها، وتستصعب رصد ميزانية لمعالجة هذه الظاهرة، صحيح ان الاحتفالات والزينة عمل محسوس يشعر ويتفاعل معها الجميع، ولها بهجتها في المناسبات العامة، لكن “الاستثمار” من اجل معالجه مثل هذه الحالات هو سري لا يرى ولا أحد يعرف عنه غير فئة صغيرة جدا لكنه سيأتي بالفائدة على المجتمع وثماره ستقطف لاحقا.

من المؤكد ان هناك جهات غير معنيه ببحث أسباب هذه المشكلة، لديها ما تخاف عليه لان مؤسساتهم هي جزا من المشكلة، لكن على عاتقنا وعلى اكتافنا كمجتمع ملقى هذا الحمل الثقيل عليه، نحن أدرى بمصالحنا وبوجعنا، إذا لم نأخذ هذا الوضع على محمل الجد ستتفاقم مشاكلنا أكثر وأكثر وسيكون من الصعب مواجه هذه الحالة.

قبل اكثر عشرة أعوام  في شهر كانون ثاني2007 طلب المجلس الديني الأعلى من الباحث سليم بريك (بحضور ممثلين عالي المستوى من مكتب رئيس الحكومة ووزارة الداخلية) ان يقوم ببحث هذه الظاهرة الى جانب ظواهر محاولات الانتحار والتصرفات الانتحارية والموت العنيف (ككثرة حوادث الطرق) وإقامة فوروم يتابع الأبحاث المستقبلية وخطوات العلاج  تبين من نتائج البحث بشكل قاطع بأن ربع المنتحرين هم من المتجندين واذرعه الأمن  وان ازمه الهوية والصراع مع الذات هي من العوامل الرئيسية للانتحار، هذه المعطيات الى جانب نتائج البحث تشير لفشل عميق في المؤسسات أدت الى منع نشره وعدم التعامل معه لان الاستنتاج لا يخدم المؤسسة الأمنية ولا يخدم توجهات  ومصالح قسم من “قياداتنا”، هذا الوضع يعود الى سياسه تقوقع فاشله لان القسم الكبير من شبابنا تربى على أخطاء قسم منها يعود للبيت وآخر من خلال برامج التعليم الدراسية المفروضة، وانخراطه في اطر أخرى لها نفس الهدف، لكن عند التجنيد العسكري يمر الشاب بعده احداث توقظه ،منها الحروب وقتل الأبرياء، وسرعان ما يرى نفسه في المكان الخطأ،  يحارب ضد مشاعره التي كانت مفقودة ! لماذا علي ان احارب ولمصلحه من!! وضد من !! يشعر بانه اداه رخيصة، يبدأ ينمو بداخله صراع قوي حتى يصل الى الذروة واثناء انطوائه يصل به الحال الى الانتحار.

هذه المعطيات نتيجة بحث استمر أربعة سنين، هي ليست وجهه نظر بل حقيقيه من الواقع الذي نعيشه، يحتم عليكم التعامل معه حتى لو لم يأتي بنتائج تتلاءم مع توجهاتكم، للأسف هذا الملف اقفل بالكامل رغم اهميته لمجرد ذكر المؤسسة الأمنية !! حتى الأسباب الأخرى لم تبحث، وكما هو معلوم هذه الحالة ما زالت تضرب مجتمعنا بقوة وتحصد الضحية تلو الأخرى، نحن لا نملك ايه وسيله لمحاوله منعها، إذا كانت بالفعل الطائفة تعني لكم بشيء عليكم بذل كل جهد لمحاوله تقليص هذه الحالة، وليس طمس الحقيقة وخلط المعطيات مثل الشكشوكة لخلق نتيجة أخرى تلاءمكم.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .