والدي في محكمة الارض

 לכידה

المرحوم  مهنا شريف مهنا   

لفت نظري صديق الى اهمية اعادة الذكريات والمحكام الصورية التي كانت تجري للفلاحين العرب في سنوات الستين من القرن الماضي،  في المحاكم الاسرائيلية فتذكرت صورة قلمية كنت قد نشرتها بسنوات السبعين الاولى فيها بعض المشاهد من التي جرت مع والدي داخل المحكمة وما جاء في تلك المقالة مع الاسشارة ان القضاة، مع انهم يهود لكن كانوا يجيدون اللغة العربية بطلاقة ويعرفون عن كثب وضع المجتمع العربي في تلك الايام.. مجريات المحاكمة نقلتها باختصار كما كان يرويها الوالد ويؤكها شهودا تواجدوا في المحكمة :

ركب الوالد الباص وأخذ الباص ينهب الشارع وهو ينظر من الشباك الى الأشجار المسرعة على جانبي الطريق وهمس في سره: صحيح ان الأرض تدور.. ألى أن وصل الى حاجز التفتيش على الطريق . وكان الشرطي يجلس على كرسي متكورا من البرد الذي يأتي من البحر مع ريح الصباح البارد. فتح الشرطي عينيه نصف فتحة وأشار بيده الناعسة الى أمام فاستمر الباص في السير حتى وصل المدينة.

نزل الوالد متجهاً نحو السور القديم حيث البوابة الضخمة ودخل منها متعجباً لضخامتها حتى رأى تلك الحجارة الملساء التي كتب على لافتة بابها المقفول “محكمة عكا”.

عاد ليقضي ما تبقى من الوقت حتى تفتح المحكمة أبوابها على شط البحر ، حيث تنعكس خيوط الشمس على وجه الماء  ، وأخذ يراقب القوارب التي تتحايل على الريح حتى تستطيع “السير” على الماء.

وقف الجميع، وانقطع الحديث الذي كان يملأ جو الغرفة عندما دخل القاضي وجلس على الكرسي المعد له وأخذ يقلب أوراقه وينظر الى ساعة يده..

ونادوا الاسم الأول… وصعد المنصة رجل عجوز يبدو القلق على وجهه، وأدى القَسَمْ القانونية وحكمت المحكمة أن أرضه تعود الى الدولة!! وصدر نفس الحكم على ثانٍ وثالث ورابع ، وفدعوس يتململ في جلسته متذمراً من جُبن المُدعى عليهم ومال الى أذن جاره وهمس: لو قالوا على الأقل اننا نملك هذه الأرض منذ مائة عام لثبتت لهم و….

وقام يدق الأرض بقدميه القويتين عندما سمع اسمه وقف على  المنصة ثابت النظرات فقال له الحاكم: قل أقسم أن أقول الحق كل الحق ولا أقول غير الحق.

فأجاب: “اقسم أن أقول الحق كل الحق وانه لا يوجد حق ولو كان هناك عدل لما دعيت الى هنا … والأرض لي أباً عن جد”.

وعلا ضحك الجالسين وضرب الحاكم على الطاولة وقال: الزم أدبك أنت تؤدي القَسم الآن ولست تحاكم.

فقال اقسم .. فطلب الحاكم من حارس أملاك الدولة أن يدلي بشهادته فقام وقال: عندما صوّرت الأرض من الطائرة أظهرت الصورة ان فيها أحجار وجباب السنديان و.

فقال الحاكم : هذا يكفي لان تكون ملكا للدولة.

فاجاب والدي: يوجد بين هذه الأحجار مساحات كبيرة من التراب وأنا ازرعه قمحًا ، أما جباب السنديان وأنت تعرف أن أكثر القرى العربية تفتقر الى مشروع كهرباء وأنا أعيش في الجليل الأعلى حيث تكسو الثلوج الجبال ، وليس لي غير جباب السنديان هذه لأقطع منها الحطب وأدفئ بها أولادي لأن الحكومة تمنع قطع الحطب من الأحراش.

فقال الحاكم: هذه ليست حجة… فهناك مدافئ ، وثابت أن الأرض لا تصلح للزراعة…

الوالد: لست أدري كيف حوكمت قبل سنتين على أن دخل أرضي يزيد عما يحتاج اليه عشرة أنفار ، وان عليّ ان أدفع ضريبة دخل… واليوم أحاكم لانها لا تصلح للزراعة مع اني أحصد قمحها هذه الأيام !؟.

الحاكم : لسانك طويل – لا تخرج عن الموضوع ! الأرض ليست أرضك بموجب القانون والدولة تريد تحريشها وتحسين المنطقة !!.

ـ يظهر ان يدكم طويلة وستسلب أرضي وعند ذاك سأخرج الى الشارع حتى اذا صادفت هذا الذي تسمونه حارس املاك الدولة  فلم يسلم.. فكيف أسد جوع أطفالي؟ .

الحاكم: أصمت، والا ارسلتك الى السجن، المحاكمة عادلة.. منزلتك ومنزلة حارس أملاك الدولة هنا واحدة.

ـ لكن الفرق بيني وبينه كبير، أنا المدعى عليه وهو المدعي. الأرض لي وهو يريد سلبها. أنا املك الأرض ابا عن جد منذ اكثر من مئتي عام وحضرته يثبت لي أنه يملكها في يوم واحد.

الحاكم: الشواهد تثبت عكس ذلك.

ـ شواهد؟! حضرتك شفت الارض ، طائرة حَلقتْ دقيقة واحدة.. بس يا عيب الشوم ؟

الحاكم: اشار الى الحاجب بان ناوله هذه الورقة واذهب… فالقرار كاملاً مع الخرائط سيصله الى البيت.

خرج الوالد من المحكمة وركب الباص عائدًا الى البيت وفي الطريق أستوقفه حاجز التفتيش وطلب الشرطي منه بطاقة الهوية. فقال الوالد للسائق قل له بالعبرية ان هويتي ارضي  وهذه الورقة تشهد اني كنت في المحكمة .

فتناولها الشرطي ونظر بها وقال للسائق: قل له صحيح انه كان في المحكمة.. وهذه الورقة تنص على أن أرضه قسيمة (95) حرشت ولكن هذا لا يكفي فانا ارى ان ارى الهوية لأتأكد .. ففتح مهنا الوالد عينيه على وسعهما محدقاً بالشرطي وقال:

– ماذا ؟ أرضي حُرِشَت !. وهذه الورقة تثبت  ذلك !.. انها مطبوعة سلفاً وكل ششء أعد من قبل وكل ما هنالك أنهم كتبوا عليها رقم القسيمة فقط ! “حُكُم ضل ما ظل”.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .