كلمة فضيلة الشيخ موفق طريف – ألرئيس الروحي للطائفة الدرزية بمناسبة حلول عيد الاضحى المبارك وزيارة مقام سيدنا سبلان عليه السلام

IMG_1109

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

انّ خير ما أَستَهِل به كلامي هو حمد الله المغني من بالغَ في القيام بقصده ومراده ،وموفق من أخلص في الأعمال وانفرد لتحصيل زاده ، وانقطع عن الأغراض الدنياوية بكلية اجتهاده ، وكان مراقبا ليوم الجزاء مستعدا لمعاده ، واستوفى حقوق الفروض بغاية اقتصاده ، وفتح بصيرته الى مضمون المعالم وجعل منها قوة استمداده ، واغتنم فرصة الزمان المقروض في اصداره وايراده، وتوسَّم سلوك سبيل النجاة بجميل استعداده ، حمدا يوفقنا على القيام بحق الاعتراف ، ويرينا ما ارتكبناه من الزلل والاقتراف ، وينصفنا من الخصوم المتداركة من لدن الابليس بكلية الانصاف ، انه ولي الاعانة ورب المغفرة والاسعاف.

 

مع بداية شهر أيلول، نحتفل بقدوم عيد الاضحى المبارك ومن بعده نحتفل بالزيارة السنوية لمقام النبي سبلان عليه السلام، وتعيدنا هذه المناسبات، وخاصة أيام العشر المباركة، إلى جذورنا وأصولنا التوحيدية، وتنعش فينا العقيدة والإيمان، وتهدينا إلى التعاون والمحبة وحفظ الإخوان ، باللسان والأركان والجَنان.

ويكفي في هذه الايام السعيدة والمباركة، أن نتأمل ونعتبر بما منّ الله تعالى علينا من نعم لا تحصى، وأسماها هدايتنا الى معرفته وطاعته بواسطة رسله وأنبيائه وأوليائه، فهم مصابيح البصيرة والشموس المنيرة، فأحرى بنا جميعا أن نحاسب أنفسنا من جديد ونقومها على صراطهم المستقيم، فنزرع الألفة والمحبة والتسامح في قلوبنا ومجتمعاتنا، ونسلك سبيل التقوى والديانة، لتدوم علينا النعم، وتنأى عنا المصائب والمحن.

نعيش في السنوات الاخيرة، فترة صعبة حرجة من تاريخ طائفتنا المجيد، حيث يتطلب الأمر منا، أن نكثف من مساعينا وأن نقوم بواجباتنا، ونعمل كل ما بوسعنا، لنخفف عن إخواننا وأهالينا الأعباء المثقلة بالأسى والقلق جراء فساد القيم والحضارات، واعتماد الجور والعنف والعداوات. وأن تكون ضمائرنا نقية، ونفوسنا طيبة، ونوايانا صادقة، وأن تكون أعمالنا مصروفة من أجل المصلحة العامة والخير والسعادة للجميع، وأن لا نسعى الى تقوية فئة على فئة، من أجل أغراض دنيوية رخيصة، وأن لا نكون غرضا لتحقيق غاية الأشرار. فالله ورسله يلعنون كل من يسعى الى التفرقة والفتن في مجتمعنا التوحيدي الأصيل. ونساله سبحانه أن يأخذ بناصية قادته وأبنائه أينما كانوا الى السلام والبر والفلاح. ويجب علينا جميعا أبناء طائفتنا كبارا وصغارا أن نجعل نهج سلفنا الصالح قدوة حسنة لنا أدبا وعلما وعملا.

ولعيد الاضحى المبارك معان نفيسة، فمنها: العودة الى الذات، ومحاسبة أنفسنا على كل صغيرة وكبيرة عملناها من خير وشر. وأن نستعين بالله سبحانه على نحر الطبائع والعادات المذمومة في نفوسنا، ونزور بيوت الله ونتعبد فيها بقلب نقي، ودعاء صادق، وعمل مخلص، متخشعين بين يديه، متذللين خاضعين أن يتقبل أعمالنا وأعمال إخواننا يوم الحشر والقيامة. فليس العيد بالمظاهر والزينة والحلى والكماليات ، ولا بالتعالي والتفاخر بالأغراض الدنياويات.

 

عند زيارة مقام سيدنا سبلان عليه السلام  التي هي زيارة هامة، يجتمع الشمل، وتتلاقى الإخوان على التصافي والمحبة، وتغرس في النفوس البهجة والحبور، في موقع توحيدي هام. وتدعونا هذه الزيارة الى التأمل والصلاة والتجوال في رحابه، وتجعلنا نتمسك بمعاقلنا إلى جوار الصقور، في أعالي الجبال، لنحافظ على كياننا، وعلى عقائدنا، وعلى رسالتنا بأن تظل نقية طاهرة دون أي شائبة. وهذه الزيارة قد تقرر ميعادها في العاشر من ايلول من بداية فصل الخريف. وزيارة سيدنا سبلان عليه السلام، هي حلقة من حلقات الزيارات الموسمية السنوية، التي تقرب بين إخوان الدين وبقية أبناء الطائفة، وتجمعهم في الرحاب القدسية، وفي الربوع النبوية، في جو من التسامي والتآخي والتقوى والإرشاد.

حلول ليالي العشر المقدسة الطاهرة وعيد الاضحى المبارك وزيارة مقام النبي سبلان في ذات الفترة، تدعونا وتحتم علينا أن نقف وقفة تأمل ورجوع واستعادة لما فعلناه، فإن كان في عملنا شيء من الإساءة الى إخواننا والمجتمع، او سوء نية تجاههم، فنطلب السماح والغفران من الله ومنهم، ونبتهل إلى الله سبحانه وتعالى، أن يساعدنا، أن تصفو نفوسنا، وأن تنقى أفكارنا، خاصة ونحن مغمورون في قدسية وطهارة ليالي العشر المباركة، التي تجعل الإنسان يوما بعد يوم، يتألق حولها إلى ذروة الإيمان والعقيدة والخشوع والخضوع إلى الله سبحانه وتعالى. وانّ تهافت رجال الدين وأبناء التوحيد إلى زيارة الخلوات المباركة في ليالي العشر، تضفي على القرى كلها، أجواء مفعمة بالتقوى والايمان، وتجعل من هذا الحدث أمرا يبعث إلى الخشوع والطهارة.

الأجواء الجميلة والمباركة، التي تخيم في جميع القرى المعروفية، خلال ايام العشر المباركة، تكون مشبعة بالنقاء والطهر وعبق الإيمان في كل مكان. وفي هذا الجو، تتصافى القلوب، وتحل المشاكل والعقد، ويحاول كل إنسان، أن تمر هذه الفترة، وهو يشعر بالطهارة والنقاء، وأنه قام بواجبه، وأنه فعل ما هو متوقع منه، كإنسان توحيدي، سواء أكان متدينا أو غير متدين.

وفي هذه الأيام المباركة، يخيم في القرى الدرزية كافة، جو من التفاهم والتآخي والتزاور والتقابل، يكسب السكان والمشاركون مخزونا من التقوى والإيمان. وإن ما يثلج صدورنا ويزيدنا عزة وفخارا، هو أننا نسمع ونقرأ عن إخواننا الموحدين الدروز في بلاد الاغتراب، أنهم يقومون بالشعائر الدينية، وأنهم يحاولون أن يتجمعوا، وأن يحتفلوا سويا بعيد الأضحى المبارك، في أجواء تعيد إليهم، ارتباطهم بالقرية والمبدأ والمنشأ والأسرة والعقيدة، والأجواء التي خرجوا منها، حينما تركوا بلادهم. ويسعدنا أن نحيي جميع أبناء الطائفة الدرزية في البلاد، وفي كل بقعة من بقاع العالم، وأن نهنئهم بالعيد السعيد، راجين منهم أن يحافظوا على جذوة التوحيد، وأن يرفعوا رؤوسهم، وأن يشمخوا بأنهم ينتمون إلى طائفة لها كيانها، ولها شموخها، ولها حضورها وحضارتها وعقائدها  وقدراتها وصلابتها وأهميتها. فإذا هبت الطائفة الدرزية المعروفية دفاعا عن العرض والأرض والكرامة، يسمع زئير أسودها في كل البقاع. حيث أولياؤها الشيوخ الأفاضل يرجفون قلوب الأعداء بدعائهم المستجاب، وكراماتهم المؤكدة، وعزمهم الواثق. ويزرعون في قلوب أبنائنا جميعا الصبر والشجاعة والقيم والعنفوان.

 

 

 

إخواني وأخواتي – أبناء الطائفة المعروفيه –

 

أود أن أنتهزها فرصة لأهنئ أبناءنا بعودتهم الى مقاعد الدراسة وافتتاح العام الدراسي الجديد وأتمنى لهم النجاح الدائم. وهنا لا بد من الفخر والاعتزاز بنتائج أبنائنا حيث يتربع طلابنا من قرى يركا وبيت جن وحرفيش على قمة التحصيل الثانوي في البلاد وأضحوا مثلا يقتدى به – فهنيئاً لهم ولذويهم ولأبناء الطائفة أجمع بالإنجازات المشرفة.

 

في المقابل – والى جانب الإنجازات والتفوق علمياً، أرى لزاما علي أن أوجه كلمة أبويه نابعة من القلب ولما فيها مصلحتنا جميعا – حيث يشهد المجتمع الدرزي في السنوات الأخيرة، تحولا كبيراً على الصعيد الحياتي اليومي، حيث تحولنا من مجتمعٍ تقليديٍّ محافظ، الى مجتمعٍ علمانيٍّ متأثر الى حد كبير بالغرب، ونحنُ والحالة هذه، بات علينا جميعا التروي والحذر في الأخذ عن هذا المجتمع الغريب عادات دخيلة على مجتمعنا، تؤدي الى انزلاق شبابنا وفتياتنا الى هاويةٍ لا نعرف مدى عمقها، وتعود علينا بالدمار والهلاك، وعلى المجتمع برمته. واسمح لنفسي في هذا المجال أن أوجه لكم ما أوصانا به سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف رحمة الله عليه ونفعنا ببركاته:

 

الطائفة الدرزية اذا بقيت على ما هو موجود الآن من التأثر بعادات وتقاليد ومناهج الحضارات المضلة يجوز أن يقرض الكثير من عاداتها وتقاليدها ومبادئها التي تأسست عليها منذ سنين ، وهذا يساعد على انهيار الطائفة ، واذا طالت الأيام يخشى أن يقال باقي دروز. فالطائفة الدرزية يجب أن يكون لها برنامج تسلكه من عادات وتقاليد سليمة، موروثة عن اسلافنا أهل الفضل والتقى ، وتاريخ قديم عريق، تقرأه وتحفظه وتأخذ العبر منه والدروس “.

 

لا تناقض بين أنْ نكون مجتمعا مثقفا متعلما باحثا أكاديميا، يصبو الى العُلى، وبين كوننا مجتمعا توحيديا محافظا، استطاع أن يحافظ على نفسه وعلى كيانه على مدار قرون عديدة مضت.  ثم انَّهُ لا تناقض بين استحواذ العِلم وبين حُسْن الأخلاق واللباس المحتشم والتمسك بالقيم الانسانية وبين التطور والتقدم وبين المحافظة على التراث والأصول، والتقيد بتعاليم الأسياد أهل الورع والتقى والصيانة ووصايا سلفنا الصالح. وصدق قول الشاعر:

العلم دون مكارم الأخلاق   كالغصن يرضي العين بالأوراق.

 

وختاما – أتوجه إلى جميع ابناء الطائفة الدرزية في كل مكان، وأدعوهم إلى الوحدة، والتآلف، والتكاتف، والتعاضد، والتسامح، ونبذ الأحقاد، والتعالي والتجاوز عن صغائر الأمور، والعمل على التقدم والترقي، وانتهاج العلم، والمحافظة على البيت والأسرة، وبالتضحية بكل ثمين كي تظل الراية التوحيدية عالية ترفرف في كل مكان.

أتقدم من جميع ابناء الطائفة الدرزية أينما وجدوا، بالتهاني والمباركات بالمناسبات والاعياد السعيدة، راجيا من الله، أن  تنجلي عن سماء الطائفة، الغيوم الملبدة كافة، وأن تزال الهموم التي تهدد إخواننا في سوريا ولبنان، وأن تحل البركة والخير والنعيم في كل بقعة من أراضينا، وأن ينعم جميع أبناء الطائفة وجميع السكان، بالطمأنينة والهدوء والسلام وراحة البال، وأتضرع الله العلي القدير، أن يحلّ عيد الأضحى القادم وقد أنعم الله على البلاد والمنطقة والعالم أجمع بالأمن والاستقرار والهدوء والسلام.

وكل عام وأنتم بخير.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .