قصّة ‘كارما’/ آمال أبو فارس

اتّكأت على خيبتِها، تحتضنُ رأسَها المثقلَ بالانكساراتِ براحتيها المخضّبتين بالحيرةِ … لا تدري كيف تواجهُ الصّاعقةَ…أتضحكُ أم تبكي! أتفرحُ أم تحزنُ!

 – “انتقلَ إلى رحمتِه تعالى …”

– “لم أكن أعلمُ أنّ دعائيَ سيصلُ إلى السّماءِ بهذه السّرعةِ! ولم أطلبْ في دعائيَ مثلَ هذا العقابِ! لقد كرهتُه وكرهتُ نفسي بسببِه! لكنّني لا أتمنّى الموتَ لأحدٍ!”

 مشاعر من الألمِ اجتاحت خفقاتِ قلبِها المرتعشِ، وملأت متاهاتِ جسدِها بالنّدم!

– “هل ماتَ بسببي!؟”

ها هي لوحدِها في المنزلِ، يدفع البابَ، يباغِتُها، يقف أمامَ عينيها بقامتِه الطّويلةِ، بعينيهِ المصوّبتين نحو جسدِها، تخترقان تفاصيلَها… تحدّقان بها بشهوةِ الذّئبِ الّذي يتربّصُ لليلى…!

– “أريدكِ الآن… أحبّكِ…لن أتركَكِ تفلتين منّي …!”

– “أيّها الحقيرُ! من تظنُّ نفسَك؟ من تكونُ لتقتحمَ سكينتي وتجرّني إلى مرتعِ الخطيئةِ؟! أتظنُّني رخيصةً إلى هذا الحدّ!؟”

– “بل إنّه الحبُّ…! أنا متيّمٌ بكِ ولا أقوى على كبحِ جماحِ مشاعري… إنّي أموت من دونِكِ! ألا تشعرين!!”

 – “لا أفهمُ شيئًا! لا أشعرُ بشيءٍ… أنا امراةٌ متزوّجةٌ، أحبُّ زوجي، ولديّ أطفالٌ وكذلك أنتَ …!هلّا تركتَني بسلامٍ!؟ … اذهبْ! استحلفُكَ بالله!”

 – “لن أترككِ ما حييتُ! سأبقى كظلّكِ حتّى أنال مبتغايَ! … أرجوكِ! أعدكِ أنّه لن يعرفَ هذا السّرَّ أحدٌ سوانا أنا وأنتِ…!”

– “واللهِ لن تنالَ لمسةً من إصبعِ كاحِلي ما حييتُ!”

 دفعت به خارجَ البابِ بقوّة، أقفلتْه، وأسندت ظهرَها إليه وهي ترتعشُ ذعرًا من الآتي…! ماذا تخبّئ لها الأيّام يا ترى؟! فالقدر لا يهيّئنا لمفاجآته! لم تعرفْ ماذا عليها أن تفعلَ… أتصرخُ؟! أتنادي على المارّةِ!؟ أتخبرُ زوجَها؟!

لا … لا … قد يظنُّها متورّطةً معه! وتتحرّك عندَه مشاعرُ الشّكّ والغيرةِ..!

أتخبرُ زوجتَه؟! لا … بل ألف لا … قد لا تصدّقُها… بالأحرى لن تصدّقَها… سوفَ تصوّبُ نحوَها إصبعَ الاتّهامِ حفاظًا على” الإيغو” لأنثىً ابتلِيَتْ بالخيانةِ…!

 أفكارٌ سريعةٌ تبعثرت في أخاديد رأسِها المخذول، لكنّها كانت أضعفَ من أن تتّخذَ أيَّ قرارٍ…!

– “تبًّا لكلِّ الرّجالِ! كم أكرهُهم! هذا الحقيرُ يتظاهرُ أمامَ الجميعِ أنّه متيّمٌ بزوجتِه، ويقتحمُ منزلي على غفلةٍ ليعترفَ لي بحبِّه! من المؤكَّد أنَّني لستُ الوحيدةَ الّتي يشتهي أن يغرزَ أنيابَه في جسدِها!

 ألا يفهمُ أنّ للبيوتِ حرمةً، وللنّساءِ سمعةً، لو انخدشت لن تتمكّن كلُّ آلات التّرميم من إعادتها كما كانت، في هذا المجتمعِ الّذي لا يرحمُ، في مجتمعٍ ألذُّ فاكهتِه القيلُ والقالُ؟!… لو حدثَ ذلك مع زوجتِه كيف سيكونُ ردّ فعلِه!؟ هل يتركُها في بيتِهِ؟! من أيّ طينةٍ صُنعَ هذا المسخُ!؟

مرّت سنةٌ كاملةٌ وأنا عاجزةٌ عن منعِه من ملاحقتي! أختبئُ منه كطفلةٍ تخافُ عقابَ أبيها الظّالمِ! أختبئُ من نظراته المفترسةِ، من عيونهِ الشّرهةِ…!

الآن… انتهى كلُّ شيءٍ…! كلُّ شيءٍ…! في خضمّ ألمي وذروة شقائي انتهى كلّ شيءٍ…! إنّها الضّربةُ القاضيةُ لمصارعٍ لم يقدّر نتيجة معركته على حلبة الحياة… “

 – “الله.. الله… الله… يا الله كم أنت عادلٌ!! … كم مرّةً جثوتُ تحتَ قدميكَ، كم استغثتُ بكِ! كم رجوتُكَ أنَّ تبعدَه عنّي بطريقتِك…بطريقتِك! لكنّني لم أتخيّلْ أبدًا بأنّكَ ستختارُ هذا العقاب!!”

المصدر: الوسط اليوم

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .