في ألتّلوّن !! بقلم دكتور نجيب صعب – ابو سنان

 

   1الالوان كثيرة ومتعددة، جذابة فيها عكس ذلك، جميلة وأخرى قبيحة، تبهر العينين ومنها ما يوجعها، ألوان فتانة وأخرى شاحبة، زاهية وسواها باهتة، لمّاعة وبرّاقة وأخرى طافية … الخ.

   تعدد هذه الالوان وكثرتها وتنوعها أضفى بدون ريب على أفراد المجتمع ألواناً كذلك، وأتخذت صفات عديدة منها ملائمة ومقبولة تتناسب والحياة اليومية ، ومنها قبيحة مرفوضة ولا تتناسب وحياتنا اليومية خاصة عند التعامل والاحتكاكات الاجتماعية الناجمة عن حتمية الحياة والعيش فيها.

   وقد أدى ذلك الى تبني نفر من البشر منهج (التلون) في الحياة والظهور بأكثر من لون خلال حياته، تعامله، عمله، مشاركته في المناسبات واللقاءات، وفي المؤسسات ومع أفراد مسؤولين في مختلف أُطر العمل اليومية.

   فتارة نراه يتظاهر وكأنه الانسان المثالي الكامل حسب رأيه والمنقذ الوحيد الذي يمكنه هو وفقط هو من صيانة حياض هذا المجتمع أو هذا الاطار الذي هو جزء لا يتجزأ منه، ذلك عن طريق إطلاق الشعارات والعبارات الرنانة، فتارة أخرى يظهر بنفس المظهر وبنفس الحالة في إطار آخر، ولدى تعامله مع الآخرين وكأنه حامي الحمى أو بطل لمسلسل ما، أو أنه الرجل الوحيد المستقيم،  وتارة أخرى يبرز كأنه الحارس اليقظ على مصالح الرعيّة بحديثه بعمله وبمزاياه، وتتقلب الايام ويتعامل هذا مع القاصي والداني، وفي هذه المؤسسة أو تلك وفي إطار العمل وخارجه ومع الاسرة التي ربته وأنشأته، ومع الاصدقاء الذين إختارهم هو نفسه أو الى الذين إختاروه ووثقوا به، ويستمر على هذه  الوتيرة، وكل ما مضى يوم وانقضت فترة يومية، لا بد الا وحضرة ذلك (المتلون) الذي انتهج التلون منهجاً له وتابع طريقه وحقق الكثير من طموحاته بفضل هذا التصرّف غير المشرّف والمنبوذ سرعان ما تراه حتى وهو في قمة الانجاز والعطاء بدأ بالتراجع وأخذت طريقه تنكشف وبدأ يتعرى من القيم التي كان قد أوهم الآخرين أنها متأصلة فيه، وكلما مرت الايام كلما ظهر أولاً بأول على حقيقته، حيث أن جميع الثياب المزيفة والملونة التي فصّلها لنفسه وعلى شاكلته أخذت تتمزّق ولم تعد تتحمل الوهم والزيف الذي تحملته فترة زمنية قادت به الى العلياء.

   تمزقها هذا جرّده من المسؤولية وقاده الى العودة الى أصله الى حيث هو تماماً دون الحاجة الى التزييف ، لأن عامل الزمن يبري كل تزييف ويبقي المرء على أصله الطبيعي.

   وعليه فنحن أفراد هذا المجتمع ، نحن بنو البشر الذين منّ علينا الخالق وجعلنا ذوي عقول متفاوتة طبعاً، ومن ذوي الاحاسيس المختلفة والقدرات المتجانسة أو المتفاوتة من إمريء لآخر، كي نعي التصرف  ونحسن إدارة أنفسنا وتحمل مسؤولياتنا من خلال الامانة والاستقامة بعيدين عن التلون الذي ينطوي على الكثير الكثير من المخاطر والصفات المنبوذة حتى ولو طال ذلك.

   والتلون يضر أولاً بصاحبه وهو نفسه الذي يجني ثمرة أتعابه ونتيجة ما إقترفت يداه، فلا وجود للاستقامة وانعدام كامل للصراحة ولا مكانة للصدق والامانة بعيدة كل البعد عنه ولا علاقة له بالوفاء والقناعة تستغيث والمصلحة العامة تتأوه، كل هذا وغيره عند الانسان المتلون الذي قرر اتباع هذا النهج (نهج التلون) .

   وبالتالي، وهذا ما أثبتته الايام والدهور ينبذُ هذا المرء من قبل أقرب الناس اليه ويزدريه كل عاقل ليجرّد في نهاية المطاف من جميع أقرانه، أصدقائه، أقاربه، وذويه وربما يقبع وحيداً بعيداً عن مركز الاحداث ليكون عبرة لمن يعتبر..  وتضيع آماله ويغدو إنساناً منبوذاً وحيداً غير مرغوباً فيه ناهيك عن الابتعاد عنه وكشفه على حقيقته.

   وفي هذا المجال، الامثلة لا يمكن حصرها ولا حدود لها يعيها كل من يكون واقعياً في حياته ونظرته ثاقبة وموضوعية، اذاً ويل لمن يتبع هذا الطريق وألف ويل لمن يشجع إنساناً أتباع هذا السلوك.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .