د. منير توما القمرُ المنيرُ في حركتِنا الثّقافيّةِ

كتب إياد الحاج:

 

كنّا في طفولتِنا، نتساءلُ باستغرابٍ بريءٍ وصادقٍ: مَنْ يعالجُ الطّبيبَ حينَ يمرضُ، ومَنْ يحلقُ رأسَ الحلّاقِ عندما يطولُ شعرُهُ؟! تجولُ هذهِ الأفكارُ الطّفوليّةُ في خاطري، وأنا في خريفِ النّضجِ، كما يسمّيه أديبُنا، محمّد نفّاع، وأنا أمامَ شخصيّةٍ، نادرةٍ، مميّزةٍ، متميّزةٍ، مضيئةٍ، كالمنيرِ منيرٍ، فهلْ أكتبُ عنِ الكاتبِ، وهل أنقدُ النّاقدَ؟!

هي أسئلةٌ شَغلتْني، حيّرتْني حتّى بعدَ طولِ تفكيرٍ بها، وذلكَ بعدَ أَنْ أهداني أديبُنا وناقدُنا وصديقُنا د. منير توما ثلاثةَ كتبٍ، دفعةً واحدةً، كلُّ كتابٍ أثمنُ من أخيهِ، وأجملُ، وهذا تفريقٌ للجُمْلةِ: “رُؤى وفن وحب” (شعر): مطبعة عالم الطّباعة، كفرياسيف، 2019؛ سُويعات عشق ووَجْد (شعر): مطبعة عالم الطّباعة، كفرياسيف، 2019؛ المـُختار من دراسات أدبيّة ونقديّة: مطبعة عالم الطّباعة، كفرياسيف، 2019.

وبهذهِ الهديّةِ الخاصّةِ والعامّةِ، في آنٍ واحدٍ، تبلُغُ إصداراتُ هذا الأديبُ، النّاقدُ، المبدعُ في أدبِهِ، وفي نقدِهِ، أكثرَ منِ اثنينِ وعشرينَ مؤلّفًا، أغناني بها، وأغنى بدررِها الحركةَ الأدبيّةَ والنّقديَّةَ، الفلسطينيّةَ والعربيّةَ والعالميّةَ، وهكذا يختلطُ الخاصُّ بالعامِّ، والفردُ بالمجتمعِ، والمحليُّ بالعربيِّ وبالعالميّ.

يتنوّعُ المـُرْسَلُ إليهِ، في إبداعاتِ د. منير توما، فهو يخاطبُ أبناءَ مجتمعِنا بخصوصيّةِ همومِنا ومشاكلِنا وطموحِنا، ويُحاورُ العربيَّ، على امتدادِ مجتمعاتِنا العربيّةِ وعمقِ موروثِها وثقافتِها، وينطلقُ نحوَ الإنسانِ، في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فيُعبّرُ عن فكرِهِ وصفاتِهِ وغرائزِهِ وحياتِهِ، فيعلو أدبُهُ على الزّمكانِ، ويستقرُّ في قلبِ الثّقافةِ الإنسانيّةِ النّابضةِ بالرّوحِ العامّةِ، والقواسمِ المشتركةِ للبشرِ.

يحضرُني قولُ الهدهدةِ للملك سليمان: جاءَتْ سليمانَ يومَ العرضِ هدهدةٌ… أهدَتْ لهُ مِنْ كلامٍ كانَ في فيها… وأَقبلَتْ بلسانِ الحالِ قائلةً… إنَّ الهدايا على مقدارِ مٌهديها. نَعَمْ، ينطبقُ قولُها على مُقدِّمِ الهديّةِ، د. منير، هديّتُكَ أيّها المثقّفُ الشّاملُ، ثمينةُ كشخصيّتِكَ الأدبيّةِ والنّقديّةِ، كدورِكَ الثّقافيِّ، كحضورِكَ الاجتماعيِّ وكإبداعِكَ الإنسانيِّ.

أديبَنا وناقدَنا وقمرَنا المـُنيرَ، لنْ أجاريكَ في الكتابةِ، أدبًا أو نقدًا، فمَهْما عَلا المصباحُ فلنْ يبلغَ القمرَ علوًّا ونورًا وجمالًا، وما مصابيحُنا إلّا جذوةُ نورٍ مِنْ ضوئِكَ السّاطعِ في فضائِنا، وفي قلوبِنا، ولكنّني أعبّرُ عن امتنانٍ خاصٍّ وعامٍّ، في ذاتِ اللّحظةِ الإنسانيّةِ والثّقافيّةِ، فكما نَهَلْتُ أنا من إبداعِكَ الثّريّ، المتعدّدِ، العميقِ والغزيرِ، هكذا تنهلُ حركتُنا الأدبيّةِ والنّقديّةِ والثّقافيّةِ.

ونحنُ نودّعُ عامًا يرحلُ مُتجهِّمًا كوجهِ الشّتاءِ، ونستقبِلُ عامًا يُقبِلُ مُبتسمًا مُشِعًّا بالسَّناءِ، يَطغى وجهُكَ على أمنيتي مُكَلّلًا بخالصِ البهاءِ، فتخجلُ أُمنيتي، وتُتَمْتِمُ أحرفًا متفرّقةً، أحاولُ جمعَها في كلامٍ يُفيدُ السّامعينَ والقارئينَ: يكتملُ البدرُ في الرّابعِ عشرَ من كلِّ شهرٍ قمريٍّ، أمّا أنتَ فبدرٌ أدبيٌّ ونقديٌّ وثقافيٌّ، مكتملٌ، ناضجُ الضّوءِ غزيرُهُ، توزّعُهُ على الأَنامِ بمحبّةٍ وسلامٍ، فلا خبا نورُكَ، ولا نقصَ كمالُكَ، ولا توقّفَ عطاؤُكَ!

كفرياسيف 28/12/19

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .