“السّيرة الحرفوشيّة: آل خوري- إقرث” بين الحقيقة والخيال

 

د. رباب سرحان

يضعنا الكاتب نايف خوري في كتابه “السّيرة الحرفوشيّة: آل خوري- إقرث” أمام إشكاليّة الجنس الأدبيّ حين نرى كلمة “رواية” مكتوبة في أسفل الغلاف. علمًا أنّ هذه الإشكاليّة ما كانت لتتواجد لو كان عنوان الكتاب “السّيرة الحرفوشيّة”، ولكنْ إضافة “آل خوري- إقرث” تُضفي عليه الصّبغة الواقعيّة والبعد الحقيقيّ. بمعنى، هذه سيرة حقيقيّة، بغضّ النّظر عن كونها سيرة غيريّة أو سيرة ذاتيّة (كون الكاتب ينتمي إلى عائلة خوري). بالمقابل، الرّواية هي عمل فنّيّ تخييليّ. فهل يجوز لكاتب السّيرة أن يُوظّف الخيال في نصّه؟ نعم. ولكنّه خيال مُقيَّد، في حين ممكن أن تعتمد الرّواية على الخيال المُطلق.

إنّ هذه الإشكاليّة تقودنا إلى قضايا كثيرة متشابكة ومُتداخلة ما بين الرّواية والسّيرة. والسّبب في ذلك، الإشكالات التي تُواجه الباحث عند الاقتراب من موضوع السّيرة، تكمن في تعدّد تعريفاتها واشتباكها وتداخلها مع العديد من الكتابات المجاورة، وصعوبة التّمييز العلميّ النّهائيّ بين هذه الكتابات كالرّواية والمذكّرات والسّيرة الغيريّة واليوميّات والاعترافات وغيرها.

تتشابك السّيرة كذلك مع التّاريخ، نظرًا إلى أنّ السّيرة بنوعيها: الذاتيّة والغيريّة، فيها بعض ملامحه، بل إنّها في بعض الأحيان تقترب منه إلى درجة تجعل بعض الدّارسين يعتبرونها لونًا من ألوان التّاريخ. وإذا طبّقنا هذا على كتاب نايف خوري، نجده يروي قصّة تاريخ عائلة خوري، خاصّة أنّه يتحدّث عن الخوري سمعان حرفوش في نطاق المجتمع، ويعرض أعماله متّصلة بالأحداث العامّة، أو منعكسة منها، أو متأثّرة بها، فإنّ الكتاب/السّيرة، في هذا الوضع، يُحقّق غاية تاريخيّة.

والسّؤال: هل يُسمح للكاتب إدخال عنصر الخيال إلى التّاريخ؟ كلّا. لأنّ ذلك يُعدّ تشويهًا للحقائق وتزويرًا لها. ويبدو أنّ نايف خوري واع ومدرك لهذا الالتباس الذي سيواجهه القارئ. وعليه، فقد اهتمّ بنفي كون كتابه تاريخيًّا توثيقيًّا، فيقول إنّه: “رواية غير توثيقيّة ولا تاريخيّة، لكنّها جاءت من بنات الأفكار والخيال، مع الاستناد إلى بعض المعلومات التي استقيتها من المصادر” (ص 10). ونظرًا إلى تعدّد الرّوايات عن أصل عائلة حرفوش، كما يقول الكاتب، وتعدّد فروع العائلة وانتماءاتها الدّينيّة، كان لا بدّ للكاتب أن يختار الأسلوب الرّوائيّ الذي يُتيح له المزج بين الحقيقة والخيال. وبالتّالي، يُجنّبه أيّ اتّهام أو ادّعاء ممكن أن يكون.

إنّ من أبسط الأمور التي تدفع الإنسان إلى كتابة سيرته الذّاتيّة، رغبته الفطريّة بالخلود. وهذه الرّغبة تشتدّ عنده عندما يشعر بالتّفرّد والتميّز. كذلك الأمر بالنّسبة للسّيرة الغيريّة، التي تتطلّب أن يكون بطلها شخصًا ذا تميّز واضح في ناحية من النّواحي، يجعله هذا التميّز إنسانًا يستحقّ البقاء. وهذا ما رآه الكاتب نايف خوري في شخصيّة الخوري سمعان حرفوش الذي يعود جذر عائلة “الخوري” إليه، كما أخبره جدّه (جدّ الكاتب). وهو الذي بنى كنيسة إقرث وخدم رعيّتها حتى وفاته عام 1886. بحث الكاتب عن عائلة حرفوش في كتب التّاريخ والمصادر المتنوّعة واستمع إلى شهادات أشخاص من العراق وسوريا ولبنان، فجمع معلومات عادت به إلى نحو ألف سنة في عمق التّاريخ، بيّنت له أنّ عائلة حرفوش واسعة الانتشار، متعدّدة الأديان والطّوائف، وأنّ فرع عائلته ينحصر في أهالي بلدة إقرث، الذين هم أبناء وأحفاد الخوري سمعان الذي جاء من بلدة خبب في سوريا، وتمّ تعيينه كاهنًا لرعيّة إقرث بطلب من مطران مدينة صور. بقي الخوري سمعان في إقرث إلى يوم وفاته، ودُفن في الكنيسة. أمّا العائلة فبقيت في إقرث حتى عام 1948، عام النّكبة التي ألمّت بالشّعب الفلسطينيّ، فهُجّر سكّان إقرث إلى قرية الرامة ومنها إلى عكا وحيفا والناصرة وشفاعمرو وغيرها.

تتأكّد قدرة الكاتب على صياغة سيرة عائلته في قالب روائيّ حين يُدخلنا إلى الأجواء الرّوائيّة عبر السّرد الجميل منذ الصّفحة الأولى في الكتاب فيقول: “لم يُغمض الشيخ نايف عينيه طيلة الليل، الأفكار تتوارد متسارعة، والهمّ كبير، تختلط الحسابات التي يجريها بعضها ببعض. حاول النوم على جنبه الأيمن، لعلّ أفكاره تستقرّ، وتهدأ روحه ….” (ص 20). وينجح الكاتب في إحداث عنصر المفاجأة حين يتبيّن للقارئ أنّ المتحدّث/الرّاوي هو السّراج، فيحدث كَسْر لتوقّعات القارئ من شأنه أن يخلق تفاعلًا بينه وبين النصّ، يشدّه إليه ويُثير فيه الرّغبة في متابعة القراءة. يستمرّ السّراج في لعب دور الرّاوي حتى ص 92. يُعرّفنا الكاتب عبر هذه الصّفحات إلى الشّيخ نايف حرفوش، زعيم قبيلة حرفوش وشيخها، الذي يقود قافلته من شمال العراق غربًا إلى مدينة تدمر، ساردًا وواصفًا المخاطر التي تعرّضت لها القبيلة أثناء رحلتها من هجمات قطّاع الطّرق ونشوب المعارك ومواجهة العواصف، مُبرزًا بطولة أبناء الشّيخ نايف وشجاعتهم في التّصدّي لها. وإذا عدنا هنا إلى مسألة الحقيقة والخيال، نرى أنّ هذا الفصل، المتعلّق بالشّيخ نايف وأولاده، بأكمله من وحي خيال الكاتب ولم يكن لشخصيّاته وأحداثه وجود على أرض الواقع.

في تدمر يحدث انقطاع في الزّمن عن كلّ ما ذُكر في الصّفحات السّابقة، ولا يعود الكاتب إلى ذكر قبيلة حرفوش بالمرّة، ولا حتى عرس ابن الشّيخ نايف الذي كان مُنتظرًا أن يُقام في تدمر. يخبرنا الكاتب أنّ عائلة حرفوش اشتهرت في تدمر، وأنّها اختلطت بالسّكّان المحليّين هناك حتى صار منهم المسيحيّون والدّروز والمسلمون. جدّهم الأعلى الأمير حرفوش الخزاعي، المطبّب سمعان حرفوش الذي كان يزاول الطبّ الشعبيّ، المهنة التي ورثها عن جدّ جدّه الشيخ نايف، المطران أنطون حرفوش، والأمير موسى حرفوش- زعيم آل حرفوش في تدمر، الذي أولته الدّولة العثمانيّة مسؤوليّة المدينة.

نستطيع أن نُشير إلى عدّة نقاط ومواضيع برزت في تضاعيف الكتاب، منها:

-علاقة الصّداقة والأخوّة بين المسلمين والمسيحيّين مُمثّلة بصداقة الأمير موسى حرفوش مع الشّيخ محمد العبد الله شيخ تدمر، وكيف كانوا يتعاضدون ويتّحدون في الأزمات والكوارث.

-الجوّ الدّينيّ المسيحيّ الذي يطغى على الكتاب، خاصّة في سياق الحديث عن المطران أنطون حرفوش في مواقف مختلفة منها: الصّلاة وقت الصّعاب والأزمات. يقول: “أمّا المطران والذين احتموا معه في الكنيسة فشرعوا يصلّون صلاة المدائح لوالدة الإله العذراء مريم. ارتفعت أصوات المصلّين الجاثين منهم والواقفين مع صوت قرع الأجراس وهم يتضرّعون ويتوسّلون إلى العذراء مريم، التي صانت المدينة المقدّسة من قبل، كي تحمي هذه المدينة وأهلها” (103). كذلك وقت الطّعام: “كان يرسم إشارة الصليب مع كلّ لقمة يضعها في فمه وكلّ جرعة ماء يشربها” (ص120)، صلاة المطران قبل معاودة مهاجمته من قِبل اللّصوص: “أيّها الرب القدّوس، يا من علّمتنا كيف نصلّي، وكيف نطلب منك، امنحني القوّة لكي أحمل صليبك كما حملته أنت، واجعلني قادرًا على مواجهة الأشرار وشرورهم، واجعلهم يتحوّلون عن ضلالهم فيعملون الخير والصلاح والسلام. أنا أسامحهم على فعلتهم، فلتسامحني يا ربّ، واغفر خطيئتي. يا يسوع، ابعد عنّي كلّ سوء وكلّ ضرر وكلّ عمل لا يليق بك. أنت يا ربّ، نجّنا من كلّ حزن وشرّ ووجع” (ص 123). ويأتي مشهد تصدّي المطران للملثّمين الذين هاجموه في الكنيسة ليرسم هالة دينيّة وأجواء روحانيّة أثارت الذّهول في نفوسهم وأدخلت الرّهبة إلى قلوبهم وجعلتهم ينثنون عن فعلتهم. يقول: “أمسك الصليب المعلّق على صدره ورفعه في وجه الملثّمين، وهم ما زالوا مسافة خطوتين أو ثلاث داخل الكنيسة. فقطّب حاجبيه وانطلق من عينيه وميض كشرار النار تشتعل من أحشائه، وصرخ بصوت عظيم هزّ أركان الكنيسة: باسم يسوع المسيح قفوا ولا تتحرّكوا، باسم يسوع المسيح وأمّه العذراء توقّفوا. شعر بغتة بقوّة عظيمة تملأ صدره وتغمر الكنيسة كلّها، وتحيط به هالة من نور، والمطران قد تصلّبت يده وهو يرفع الصليب باتّجاههم” (ص 125-126).

نقاط أخرى طُرحت في الكتاب مثل:

-معاملة الدّولة العثمانيّة للمسيحيّين.

-شنق بطريرك القسطنطينيّة الأرثوذكسيّ غريغوريوس الخامس المقيم في إسطنبول بأمر من السّلطان العثمانيّ (محمود الثاني)، بعد أن اتّهمه بالفشل في ضبط المسيحيّين اليونانيّين الذين تمرّدوا على السّلطات العثمانيّة. (129-130)

-إبراز أهميّة قيمة العطاء في الدّين المسيحيّ. وقد أفاض المطران أنطون حرفوش في الحديث عنها أمام آل حرفوش عند اجتماعهم في الكنيسة. وممّا قاله: “إنّ العطاء الجميل هو عطاء معنويّ، غير ماديّ، كمن يعطي كلمة عزاء لإنسان حزين، أو كلمة تشجيع لمن هو يائس أو واقع في ضيق، أو يعطي عبارة حنان لطفل يتيم”. (ص 97)

-أسلوب الوصف برز بشكل واضح في الكتاب، وهو متداخل مع السّرد في غالبيّته. ولعلّ وصفه لوقوع الزلزال في تدمر كان الأجمل والأكثر وقعًا في النّفس عبر استخدامه للمفردات والتّعابير التي تُثير عاطفة القارئ وحزنه: “فزعت العصافير في أعشاشها وحلّقت في الجوّ، وحامت الغربان، وأسراب الحمام طارت من مهاجعها. ذهل السكّان من المشهد، وخرجوا ينظرون ما الأمر. لكنّ الجميع شعروا بالأرض تميد، وأصوات دويّ رعد شديدة تنطلق من جوف الأرض، خفقت قلوب السكان هلعًا وخوفًا. ما بال الجدران ترتعد؟ والحيطان ترتجف؟ انبعثت من الأرض رائحة الموت، وتحوّلت تدمر إلى مدينة أشباح. كان برج الجرس في الكنيسة أطول معالم المدينة، لكنّه سقط وتفتّت مع سقف الكنيسة. كانت مئذنة الجامع شامخة ويرتفع منها الأذان والصلوات والتي كانت تتحدّى غيوم السماء وتشقّها”. (ص 149) وفي موضع آخر يقول: “فُقدت السيطرة على المدينة، ورأى الناجون أنفسهم يقفون أمام مشهد الدمار لآمالهم، والحطام لأحوالهم. فدخل اليأس قلوبهم، وتغلغل الحزن في نفوسهم، وتوغّل الأسى في أرواحهم. يحاولون أن ينفضوا الغبار عن ثيابهم ورؤوسهم وأجسادهم. لحظات فقدان الأمل والأسى تبدو ساعات، بل زمنًا أطول من الدهر، والوقت أبطأ والشمس أشدّ حرارة، والهواء الحامل الغبار ورمال الصحراء أشدّ لسعًا في الوجوه”(ص 150-151). ويتابع وصف هذا التحوّل المؤلم في المدينة فيقول: “لم تعد تتفتّح الزهور في الربيع، ولا البراعم في بداية الصيف، لم تعد تنضج الثمار في مواسمها، ولن تمتلئ الغدران بالمياه، لم تعد الحقول الخضراء تملأ البيوت خيرات الأرض ونِعم السماء”، “هذه الأرض التي أفاضت من عطاياها غدرت بأهلها، وانتفضت في وجههم، ثارت عليهم، قلبت مفاهيمهم وغيّرت أفكارهم. السماء التي أنزلت عليهم الهبات والحسنات، أنزلت عليهم المصائب والكوارث، انحسرت الغيوم المباركة بالمطر، وهلّت أمطار الخيبة، تساقطت الآمال وتهاوت الطموحات” (ص 150).

بطبيعة الحال، وبعد هذا الزلزال الذي دمّر المدينة، تفرّق السكّان وعائلة حرفوش اتّجهت جنوبًا ووصلت إلى بلدة خبب جنوب سوريا. وهي مركز مسيحيّ مهمّ في منطقة حوران. العائلة تكوّنت من الأمير موسى حرفوش والمطران أنطون حرفوش وأسرة سمعان حرفوش المطبّب مع زوجته مرتا الحامل وابنهما بولس البالغ أربع سنوات.

في خبب يصف الكاتب مشاهد تنعكس فيها حركة الحياة ونبضها بعد أن شهدوا انطفاءها في تدمر. يقول: “مالت الشمس خلف الجبل، وبدأت أسراب الطيور تحلّق في الجوّ، وهي تبحث عن طعامها على الأرض لتقتات بحبوبها ثمّ تأوي إلى أعشاشها، أطلقت زقزقتها في الأجواء مع نعيق بعض الغربان. كانت حركة السكان في الخارج ملحوظة، همهمات وأصوات مختلفة. فالعمّال يعودون من أشغالهم والرعيان يسيرون مع قطعانهم وأصوات ثغاء الحملان والأغنام تعلو على صوت نباح كلب يحرسها. والمزارعون يعودون من حقولهم مع دوابهم التي ارتفع صوت دبيب أقدامها. بعض الأولاد يركضون ويصيحون وهم يلعبون فرحين” (ص 175).

ونشهد السّرد الجميل، لحظة ولادة مرتا زوجة سمعان: “ساد الجوّ شعور من الترقّب والانتظار المشحون بالخشية والخوف. إنّها المرّة الثانية التي تنجب فيها طفلًا، فلماذا يساورها شعور غريب مشوب بالإحباط والاكتئاب، والأحاسيس بأنّ هذه الولادة ستتعسّر وتسبّب لها آلامًا قد لا تحتملها. فهل سيصمد جسدها النحيف؟ كيف سيكون شكل جنينها؟ أهو صبيّ يشبه أباه أم بنت تشبه أمّها؟ لم تستقرّ مشاعرها، وكلّما اشتدّت آلام المخاض أكثر، زادت اضطرابًا وحيرة وقلقًا” (ص 174).

والذي حدث أن اقتاد الجنود العثمانيّون “بولس” ابن سمعان حرفوش إلى معسكر العمل في مدينة غزّة، فنذر المطبّب سمعان للسيّد المسيح ولمريم العذراء، أنّه إذا عاد ابنه بولس سالمًا، فسيجعل نفسه في خدمة يسوع طيلة حياته. وبالفعل، ارتدى سمعان الثّوب الكهنوتيّ وذلك بعد ان ارتقى في الدّرجات الكهنوتيّة إلى شمّاس إنجيلي، ثمّ كاهن في خبب، مع إبقائه على مهنة التّطبيب. إلى أن تلقّى المطران جورج رسالة من مطران صور يطلب أن يبعث له كاهنًا من أبرشيّته وسيتمّ تعيينه في إقرث ليرعى أبناء كنيسة الرّوم الكاثوليك. وهكذا، انتقل الخوري سمعان وعائلته إلى إقرث وكان يوسف سبيت هو مختار البلدة. وهناك قرّر الخوري سمعان إعادة بناء الكنيسة وكان ذلك نحو عام 1800.

عاش الخوري سمعان في إقرث مع زوجته مرتا حتى وفاته عام 1886. ودُفن في الكنيسة التي بناها. استطاع أن يكسب محبّة كلّ من عرفه. كان، كما يصفه الكاتب، “لطيف المعشر، رهيف المشاعر، دمث الأخلاق، بشوشًا وباسمًا، اتّسمت علاقته بالأهالي بالنّقاء والصّفاء والطّهارة. أصبح مثالًا في الإخلاص للكنيسة، ومحبّة الناس واستقبالهم، فلا يردّ سائلًا ولا يرفض محتاجًا” (ص 233).

وأخيرًا

هذا الكتاب لا شكّ يُجسّد الّرغبة الكامنة في الإنسان، كلّ إنسان، في معرفة ماضيه وجذر عائلته وتاريخها. وقصّة أهل إقرث وعائلة حرفوش هي قصّة الشّعب الفلسطينيّ الذي عانى من الطّرد والتّهجير والتّشريد وتدمير البيوت والبلاد.

وبما أنّ السّيرة لها القدرة أن تميل نحو الرّواية وتتّخذ القالب الروائيّ، فقد نجح نايف خوري أن يصوغ سيرة عائلته في بناء فنيّ روائيّ، ظلّ مقيّدًا، في بعض مركّباته، بالوثائق والحقائق التّاريخيّة.

إلّا أنّ هذا التقيّد لم يمنع الكاتب، بصفة عامّة، من أن يصوغ السّيرة في صورة مترابطة، ولغة سلسة، وذلك على الرّغم من وجود بعض الفصول التي ابتعدت تمامًا عن السّرد القصصيّ المشوّق واقتربت من التّسجيل التّوثيقيّ المباشر.

وفي النّهاية، وبعيدًا عن آل حرفوش وخوري، ثقافةُ الكاتب واضحة في هذا الكتاب من خلال المعلومات الغزيرة التي يقدّمها، كما أنّه يطرح همومًا وتساؤلات بخصوص قضايا عديدة تؤرّقه، عَرَضَ بعضَها بإسهاب وبعضها الآخر في سطور قليلة. وهذا، في رأينا، يُشير إلى النَّفَس الرّوائيّ الطّويل الذي يمتلكه الكاتب، ويُشكّل مادّة خام متينة نرى فيها انطلاقة قويّة لكتابة رواية جديدة.

(نصّ الكلمة التي أُلقيت في أمسية إشهار الكتاب في قرية الرّامة بتاريخ 5.10.2023، في مركز حنّا مويس الثّقافيّ)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .