“اختتام مسار التّعليم في مجال التّدقيق اللُّغويّ في الكلّيّة الأكاديميّة العربيّة – حيفا”

ليست مجرّد لمّة زيتون وزعتر..

بقلم: شهربان معدّي

لغتي العربيّة هي هويتي، وتاج رأسي وكُحلة عيني، ولا أحد يستطيع مُحاسبتي على شَغَفِي الشّديد بها، وهَوَسِي الكبير بمفرداتها الآسرة الّتي نسّتمدُ أريجها العذب من نسغ دوْحتها الغنّاء، وحقولها السّمراء، لا لشيء يا عزيزي القارئ، بل لأنّني مُتيقّنةٌ بأنّها الكفيل الوحيد في إرساء هويّتنا في كلّ مكان وزمان، وسرّ بقاء موروثنا الثقافيّ، كنّزًا للأجيال القادمة، وكي نُعزّز تواصلنا مع ثقافات وشعوب أخرى، رغم اختلاف إثنيّتها  وابتعاد مساحاتها الجغرافيّة..

 ولذلك لجأت إلى الكتابة الإبداعية حتّى أوثّق أدقّ تفاصيل حياتنا اليوميّة، في زمن العولمة الحديثة الّتي قلبت حياتنا رأسًا على عقب، وأحرقت الأخضر واليابس، ويا خوفي أن تُعيدنا إلى ثقافة ما قبل الكلمة، إلى ثقافة العين والأذن، اللّتين كانتا أداة الإنسان البدائيّ في التواصل مع العالم.

 عندما وقفت على عتبة التّعليم في الكلّيّة الأكاديميّة العربيّة – حيفا، لم يكن في جَعبتي سوى باقة حروف ورديّة، ضفّرتها من سنابل القمح الحُبلى بخصْب المواسم، وشلوح الزنبق، المُعطّرة بزهرة الرّوح، ولم يكن زادي سوى أبجديّتي العصاميّة الّتي جمعتها من رأس العين، من مناهل الأدب الإنسانيّ العالميّ، ومن سواقي الأدب العربيّ الزُلال، ومن عراقة أهل الدّيار، وكروم زيتون قريتي الخضراء..

 وصدقًا أقول: بفضل انضمامي إلى مسار التّدقيق اللّغويّ، البيّدر الّذي حلُمتْ طويلًا أنّ أرمح بين غِمارِه كغزالة، الحمد لله، الجنى كان وفيرًا، والغلّة لا تُقدّر بثمن؛ إذ أشرَف على مواضيع المسار الرئيسة، الدكتور حسين حمزة وثلّة من الأساتذة الكرام، حسب الترتيب:

 د. ورد عقل مسائل في النحو والصرف.

 د. عصام عساقلة علامات الترقيم.

 د. هارون شحادة التّداوليّة ومسائل اللّغة.

 د. حسين حمزة الأساليب اللّغويّة.

 ومن حضرتهم تعلّمنا أنَّ وظيفة المُدقّق اللّغويّ ليست تحرير النّصّ من ربقة الأخطاء الإملائيّة والهفوات اللّغويّة فحسْب! بل يجب أن يمتلك ذائقة أدبيّة راقية، وديباجة حسنة، وثقافة عالية، وسعَة صدر، وهدوء نفسيّ؛ كي تكتمل اللّوحة بأبهى صورة، وتلبس أجمل حُلّة، وكي تبقى لغتنا الأصيلة، عزيزة النفس، مرفوعة الرأس.

 “اللهمَّ اغفرْ لكلّ منْ علَّمني حَرْفًا.. فمنْ علَّمني حَرْفًا زدت له حبًّا”

 ولأنّ النهايات دائمًا موجعة، والمرء لا يعرف قيمة الآخر، إلّا عند الفراق؛ همسة صغيرة في أُذن زميلاتي الرّائعات، المُعلّمات الفاضلات اللاتي اشتركنَ معي في الدّورة:

الأستاذة رباب أكرم أبو داوود قصّ، الأستاذة كواكب مزّيد سيف، الأستاذة ميّاسة أمين شاهين كيّوف، الأستاذة عفاف ماضي نصّار، الأستاذة كاملة محمد أسدي – واكد، الأستاذة هيام نبواني درع، الأستاذة ليلى نصّار ياسين، الأستاذة أميرة سليمان أبو فارس – شمّا، الأستاذة فداء عدنان شعلان، والأستاذة خلود خالد خلايلة.

 سنلتقي على خير إنْ شاء الله، لنقف على ناصية الحرفِ، ونعطّر بياض السطور بأجمل وأروع الزّهرات، ونبعْثرها في الفضاء الرحب؛ كي تزهر نثرات الروح، ألف زهرة، وألف ياسمينة. “وحبوب سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل”، فطوبى لمن نهل من بحر أبجديتها الغزير، وتغذّت روحه من عسلها البريّ العتيق.

 بلُغتنا الفريدة سنرتقي..

 من شهد مفرداتها سننهلُ..

 وبعمق معانيها سنسمو

 ومن ريحان دوحتها سنتعطّرُ..

 هنيئًا لنا هذه اللّمة المُباركة – احتفاءً بموسم الزّيت والزّيتون الجديد، أعاده اللّه عليّنا وعلى الجميع باليُمن والبركات، وبها اختتمنا لقاءنا.

 وشكرًا للأساتذة الكرام على بيدرهم الخضل، السخيّ الّذي أضاء لنا قناديل الفكر، ويسّر لنا سُبل الكتابة، وجمعنا برفقة طيّبة وذكريات لا يمكن أن تُعاد مرّتين.


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .