أ.د إيلان بابيه ود. جوني منصور في ندوة سياسيّة في مقرّ “مؤسّسة محمود درويش للإبداع”

كفر ياسيف: من علي هيبي: غصّت قاعة “مؤسّسة محمود للإبداع والثّقافة” في قرية كفر ياسيف بجمهور نوعيّ ولافت من عشرات المثقّفين والأدباء والمهتمّين بالشّؤون السّياسيّة والوطنيّة، مساء يوم الخميس الموافق لِ 17/8/2023 لحضور النّدوة السياسيّة الهامّة حول موضوع “مسيرة الصّمود والتّضامن في التّرحيل واللّجوء الفلسطينيّ”، بحضور أستاذيْن مرموقيْن في مجال البحث حول موضوع النّكبة وملابساتها السّياسيّة والوطنيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة، وهما المؤرّخان: البروفيسور إيلان بابيه والدّكتور جوني منصور، وقد تركّزت النّدوة حول انعكاسات النّكبة على مختلف مجالات الحياة الفلسطينيّة اليوميّة والمعيشيّة بعد التّشريد واللّجوء، وحول أهمّيّة التّضامن والتّعاطف الشّعبيّ لضمان الصّمود والبقاء.

وقد افتتح النّدوة مدير المؤسّسة عصام خوري مستهلًّا بشكر المؤرّخيْن الضّيفيْن منوّهًا بأبحاثهما حول موضوع النّكبة وملحقاتها، وقد تطرّق من خلال شكره وترحيبه بالحضور إلى ضرورة التّأكيد على موضوع النّكبة لتبقى القضيّة الفلسطينيّة على بساط الاهتمام الوطنيّ والإنسانيّ، خاصّة للتّذكير بما حدث لهذا الشّعب من اقتلاع وترحيل وعذاب، وقد تحدّث أيضًا إلى ضرورة التّدقيق في استخدام المصطلحات، مثل النّكبة والنّزوح والتّمييز بينها وبين مصطلحات أشدّ مأساويّة مثل: التّهجير والتّرحيل حتّى تكون هذه المصطلحات ذات دلالات بضخامة المأساة وعمق الجريمة الكبيرة الّتي ما زالت ممتدّة مع امتداد الزّمان.

البروفيسور إيلان بابيه في مداخلته شكر المؤسّسة على إتاحة هذه الفرصة للحديث إلى مجموعة من المثقّفين الفلسطينيّين في منطقة الجليل، وقد تطرّق بإسهاب عن موضوع العلاقات الّتي توطّدت بين القرى والمدن الفلسطينيّة الّتي بقيت عامرة وبين آلاف اللّاجئين الّذين وفدوا إليها من القرى الّتي هدمت والمدن الّتي هجّر أهلها، وقد ركّز حديثه حول ثلاث مدن في الضّفّة الغربيّة: نابلس وجنين وطولكرم. وقد قدّم نموذجًا دالًّأ على تلك الظّروف المأساويّة والإنسانيّة، حيث حظي اللّاجئون بدعم وتضامن وتعاطف كبير، ففي مدينة نابلس الّتي كان يقطنها حوالي 20 ألف مواطن، وفد إليها ما بين 100 – 120 ألف لاجئ، كان على الأهالي أن يقدّموا الدّعم الشّعبيّ في كافة مرافق الحياة الأساسيّة: المسكن، الطّعام، اللّباس والتّعليم، قبل أن تصل المؤسّسات الدّوليّة، واستطاعت “اللّجنة البلديّة لدعم اللّاجئين” أن تساعد هؤلاء اللّاجئين لمدّة عاميْن كامليْن بالاعتماد على الدّعم الشّعبيّ بالتّبرّعات وباقتطاع أجزاء من الرّواتب، وقد شكّل هذا الدّعم صورة من صور الصّمود الوطنيّ تحت شبح ظروف قاسية ومريرة ومأساويّة. وقد أشار إلى نماذج مماثلة حدثت في الجليل مشيرًا لاستقبال قرية يركا لحوالي 50 ألف لاجئ وفدوا من قرى الجليل المهجّرة. وقد عقد مقارنة هامّة بين هذا الشّكل للتّضامن لقرى من الفلّاحين الفقراء وبين استقبال بعض المدن والقرى الألمانيّة للّاجئين السّوريّين، ومن خلال المقارنة ظهرت قدرات الشّعب الفلسطينيّ الهائلة في تقديم هذا النّموذج الإنسانيّ للدّعم والتّضامن.

أمّا المداخلة الثّانية فقد كانت من نصيب الدّكتور جوني منصور، وقد أبدى اهتمامًا كبيرًا بضرورة البحث عن الوثائق المكتوبة في الأرشيفات المختلفة بعد أن أغلقت الأرشيفات الإسرائيليّة الّتي تحتوي على أوراقنا أبوابها أمام الباحثين في هذا المجال. وقد ذكر أنّه في البحث عن وثائق لحالة استقبال أهالي نابلس للّاجئين فقد عثرنا في مكتبة نابلس على صناديق تحتوي على 8000 آلاف وثيقة هامّة تتناول قضيّة استيعاب اللّاجئين من حيفا ويافا وقراهما، وقد رئس بلديّة نابلس آنئذ سليمان طوقان، وقد رئس بنفسه “اللّجنة العامّة للعناية باللّاجئين”، بإمكانيّات مادّيّة محدودة، وكلّ الوعود بالمساعدات الدّوليّة والعربيّة كانت رمزيّة أو كاذبة، حتى تأسّست اللّجنة الدّولية “الأونروا”، الّتي تسلّمت موضوع الدّعم بعد أن توقّفت اللّجنة العامّة في 1/1/1950. ويشار إلى أنّ العراق والأردن قد دعموا بالمال والمؤن والتّمور والدّقيق والأغطية. ومن الملفت للنّظر كما بيّن د. منصور أنّ الأديرة والمساجد والمدارس فتحت أبوابها لتكون مساكن للّاجئين زيادة على اقتسام البيوت بين أصحابها والوافدين إليها. وقد شدّد د. منصور على أهمّيّة حفظ الرّواية من خلال الذّاكرة عبر الأجيال كي تبقى عند الشّعب الفلسطينيّ القدرة على معالجة أموره في أشدّ المراحل حلكة، فقد أعطى هذا الشّعب نموذجًا رائعًا من أجل البقاء رغم تراكم الأزمات. وقد اتّفق د. منصور بالرّأي مع عصام خوري في ضرورة التّدقيق في استخدام المصطلحات وتعميق دلالاتها لتلاءم الاحداث المأساويّة بحقّ شعبنا المنكوب.

أمّا الفقرة الأخيرة في النّدوة فقد كانت للنّقاش، وقد شارك فيها الأستاذ منير خوري من أبو سنان حول تجربة أسرته في مجال استقبال اللّاجئين، وكذلك تحدّث الشّاعر يحيى عطا الله عن تجربة قريته “يركا”، أمّا المحامي جواد بولس من كفر ياسيف فقد أشار من خلال سؤاله إلى ضرورة بقاء النّكبة واحتمالات زوالها في ظلّ استشراس الاحتلال الإسرائيليّ والاستيطان المتعاظم بوجود أخطر الحكومات يمينيّة، وقد انتهى النّقاش بتقديم ملاحظات عن النّكبة من السيّد توفيق كناعنة من عرّابة البطّوف، وهو من قادة الحزب والجبهة. وقد أجاب المحاضران عن كافّة الملاحظات والأسئلة بالتّفصيل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .