أبو  سعيد   التّسامُح               نمر  نمر      10 /2 /2020

منذ أربعة عقود خَلَتْ، تتعرّفُ على انسانّ أصيل، سِماتُهُ على وجهه،الدّالّ على الخير كفاعله، قامة ممشوقة، سِحْنَةٌ قمحاويّة كقمح  المثاني والمثالث في المُرّان والرّماح العوالي، جنوبيّ عين العياضيّة، وغربي البروة، حيث واجه الأيّوبيُّ جيوشَ الفرنجة، وشرقيّ عين آدم ،حيث وَرّدَ أبقارَهُ هناك، وَهُزِمَ بونابرتُ على أسوار عكا التي لا تخشى هديرَ البحر، تاركاً قُبّعَتَهُ وفشله عِبْرة للغُزاة الطّامعين،مُحَدِّثٌ لَبِقٌ، تشعر كأنّكَ تعرفه ،منذ أمد بعيد، إلّلي بِقَلْبو ع َ راس لْسانو، تعلّمَ حُسْنَ الاستماع قبل أن يتعلّم حُسن الحديث،لا تشعر باليأس والملل، حتى إذا طال الحديث معه، مِضيافٌ سموح، كأهل بلده الكرام،، المُعَزّبُ أسيرُ الضّيفِ، خلافاً لمفاهيمنا وعرفنا، إن لم تَحْملْهُ هو يحملكَ، وهو جَمَل المحامل، قَدّ الحِمِلْ وِزْيادة! لسانُ حاله يقول: يا ضيفَنا لو زرتنا ….، قرينةٌ أصيلة، بِتْبَيِّضْ الوِجه،  للسيف والضّيف ولضربات الزّمن، كُلّو من ميسور وحواضر البيت، بيت السّبع لا يخلو من العظام، خير الله حَبَطْرَشْ ! إلّلُقْمِة إلّلي بِثِمْهُنْ مِشْ إلْهُن ! تشعر أنّك في هيكل روحيّ، وخارطة العَالَم بأسره أمام ناظرَيْكَ،يفتح قلبه للجميع، دون الاستفسار عن المذهب، الدّين أو القوميّة والانتماء!كُلُّنا خُلِقنا بالأصالة البشريّة ! يقول لكَ. لم يحظَ بثقافة عُليا، إلاّ أنّهُ عكف على تثقيف نفسه ذاتيّاً، فصار عصاميّاً، ونبغ في حفظ الشِّعْر قديمه وحديثه بشكل يبعث الدّهشة والإعجاب.

*يُشنّف أذُنَيْكَ مع أبي فراس الحمداني وأمّ كلثوم:

أراكَ عَصِيَّ الدّمع شيمَتُكَ الصّبرُ    أما للهوى نهيٌ عليكَ ولا أمْرُ

نعم أنا مُشتاق وعندي لوعةٌ           ولكن مثلي لا يُذاعُ لَهُ سٍرُّ

*يُعرّج على الدّيانات السّماويّة الثّلاث، طبقاَ لتدريجها الزّمني، يقول لك جاء في التّوراة: يولدُ الانسان بيدَيْن مفتوحتَين، ويموت بيدَين مفتوحتَين   !

*ثمّ يُيَمّمُ على العهد الجديد ليقتبس: فَكُلُّ شجرةٍ لا تصنع ثمراً جيّداً، تُقْطَع وَتُرْمى في النّار !

*ويستفيض مع القرآن الكريم: وَيُعَلِّمُهُ الكتابَ والحكمةَ والتّوراةَ والانجيلَ (صدق الله العظيم)

يجوّد ويُرتّل الشعر الرّوحي الصّوفي، يعود بك الى الشاعر الصوفي اليركاوي الجولسي الشيخ علي الفارس وروحانيّاته ووجدانيّاته وخِلاّنه الرّاحلين شرقاً، شرقاً إلى الصّين، وفي نَقّاطَتِه النّائية المعزولة بين مجد الكروم ويركا،  يشجو ويشدو بصدق وخلوة مع الله وفارسه المقدام:

يا مَن يُخبرني عن جيرة رحلوا     أين استقاموا، وأيَّ الأرض قد نزلوا

وأيَّ دارٍ رضوها يسكنون بها        وأيَّ رَبْعٍ، بِهِ مِن ربْعنا بدّلوا

ترى بأرض النّقا حلّتْ ركائبهم       أو  أنّهم لأراضي البان قد وصلوا

*لديه لكلّ مقام مقال،والعكس صحيح، فإذا كانت الجلسة روحانيّة، عرفانيّة، نورانيّة، صوفيّة يقتبس: الصّوفي سرِيّ السّقطي قال: ؤسمعتُ معروف الكرخي يقول: مَن كابَر اللهَ صَرَعَهُ، ومَن نازَعه قَمَعَهُ، ومَن ماكَرَهُ خَدَعَهُ، ومَن توكّل عليه مَتَّعَهُ،  ومَن تواضع إليه رَفَعَهُ!

*والحضور النّسائي له دور، هذه هي السّيّدة البتول والدة يسوع المصلوب، تِلْكَ هي فاطمة الزّهراء/ كريمة الرّسول، ورابعة العدويّة البصريّة  التي أدْخلت على التّصوّف : فكرة الحبّ الإلهي ، بدلاً من الخوف والرّهبة،والسِّتّ سارة صاحبة العفّة والطّهارة!

*ويمثل فيلسوف المعرّة أمام ناظرَيْه قائلاً:

غيرُ مُجْدٍ في مِلَّتي واعتقادي    نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّم شادي

* ويستفيض مع نهج البردة لأحمد شوقي غيباً في مدح الرسول عليه السلام:

فَالْطُفْ لأجل رسول العالَمين  بنا      ولا تَزِدْ قومَهُ خسفاً ولا تسم

يا ربُّ أحْسنْتَ بدءَ المسلمين به        فَتَمِّمِ الفضلَ وامْنَحْ  حُسْنَ مُخْتَتَمِ

*ولكي لا يكون الحديث شجوناً واستعباطاً، يتمحور مع شوقي ثانية في محراب رسول المحبّة والسّلام، فيقول غيباً واستظهاراً :

وُلِدَ الرّفْقُ يومَ مولد عيسى       والمروآتُ والهُدى والحياءُ

لا وعيد، لا صولة،ولا انتقام      لا حُسام، لا غزوة، لا دماء!

*يَئِنُّ مع :أنَّةُ طفل ضرير لِطَهَ حُسين:

يا أمّي ما شكل السّماء        وما الضّياء وما القمر

بجمالها تتحدّثون               ولا أرى منها أثَر

هل هذه  الدّنيا ظلامٌ           في  ظلام مُستمر

*تتغيّر الوجوه والأنماط، والمعين لا ينضب، لينقل الحضور إلى الجُنَيْد والحلاّج القائل: هما ركعتان في العشق الإلهي، لا يَتِمُّ الوضوءُ بهما إلاّ بالعشق الإلهي والدّم، ويقول للخَضْر: إفْرش لي سُجّادَتَكَ. وللحديث صِلة وعلى مسمع الجيلَين القديم والحديث، من مأثور الأمير السّيّد التّنوخي القائل: دَعِ العِلْمَ دليلَك والورع مُشيرك، والحِلْم وزيرك!ثم يستعيد أمجاد شيوخِ آل تراب في ضواحي الحوطة المباركة: أبو السّرايا غنايم/ يركا، أبو محمّد/ الكويكات،أبو عروس/ جثّ، أبو عبد الله /ميماس، أبو جمعة/ إكليل، أبو محمد/ الحنبليّة،أبوالشّبل/ عين عاث. ولن ينسى شيخَيّ الحِمى، شرقي كفر كنّا: أبو الدّرع جوشَن/داما، أبوالّلقى ثابت/ السّافريّة.

*هذا العصاميّ لا ينسى: بساط الرّيح يابو الجناحين/مرّاكش فين وتونس فين، ولا ينسى فهد بلاّن:

عالبال بعدك يا جبل حوران…….

*وفي حوار المذاهب والأديان يدلو بدلوه بين الدّلاء، وينتشله بالرّجاء والسّخاء والتّسامح والإصغاء، مع: الأنبياء إخوة أمّهاتهم  شتّى ودينهم واحد.

*أرجو ألاّ يستغربنّ أحدُ من هذه الصولات والجولات في رحاب معمورته الكونيّة نظريّاً وعلميّاً، يعيد إلى ذاكرة شبابنا قصيدة: عليا وعصام لذلك اللبناني قيصر المعلوف:

رُلى عربٌ  قصورهم الخيام       ومنزلهم حماة والشّام

إذا ضاقت بهم  أرجاء  أرض     يطيب بغيرها  لهم المقام

* قال الخليفة العبّاسي  المأمون: فتّشْتُ فلم أجِد ألَذَّ من النّظر في عقول الرّجال !

*وَكُنّا وإيّاكُم  نزور مقابرَ     وَمُتُّمْ فَزُرناكم، وسوف نُزارُ

هذا هو  الشّهم النّشمي، ويكفيه ما يحمله اسمه من معانٍ وأبعاد: كمال سعيد حمّود كنعان/ يركا التي غنّى لها  الأسدي عام 1948:

بَشيل الدّحي  ع َ كَتفي/ بَشيل نين/يومٍ كانت جرة المَيّ بِشِلْنين/ أهل يركا سقونا شراب.

تغمّده الله بواسع رحمته، ولأسرته الكريمة حُسن العزاء.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .