د. خالد و السفر برلك بقلم – مالك حسين صلالحه – بيت جن

 

ان قيمة الانسان لا تقاس بعدد السنين التي عاشها وانما تقاس بما قدمه لمجتمعه وبلده خاصة وللإنسانية والبشرية  عامة

كم سرني عندما اهداني اخي وصديقي الوفي الدكتور خالد كتابه الجديد ( سفر برلك)  .. الذي جاء بعد ثلاثة كتب لا تقل قيمة عنه هي: ( يوميات برهوم البلشفي وحماة الديار وعائد الى حيفا ) .. وانا اعتز بالعلاقة الاخوية والصداقة  الحميمة التي ربطت بين والدي ابو مالك وعائلة الدكتور خالد الكريمة المتمثلة بوالده العم ابراهيم والمرحوم العم داود تركي.

فالدكتور خالد غني عن التعريف فهو طبيب مشهور وكاتب لامع وعضو في اتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين  وعضو في ادارة صحيفة الاتحاد وقيادي ضمن الحزب الشيوعي والجبهة وناشط اجتماعي معروف في الاوساط الحيفاوية .

ان هذا الكتاب جاء ليوثق لحقبة زمنية حالكة  السواد مرت بها بلادنا خاصة والبلاد العربية عامة عندما احتلها المستعمر العثماني وحمكها مدة اربعة قرون من الزمن (1516- 1918) بيد من حديد .. انتهج فيها المستعمر والمحتل العثماني ابشع وأفظع انواع الاضطهاد والاستغلال متفننا في وسائل تعذيبه واعداماته وشنقه وخوزقته  وسلبه ونهبه لأموال الناس واستغلال موارد وارزاق المزارعين والفلاحين والعمال   وذلك  من اجل تامين موارد تمويل جيوشه واحكام سيطرته على شعوبها المحتلة  وحتى الاعتداء على الاعراض اضف الى فرضه سياسة التجنيد الاجباري التي قاومها اجدادنا في جبل العرب في الثورة ضد ابراهيم باشا المصري..

لقد لجأ ايضا الى سياسة التجهيل فمنع فتح المدارس والتعليم حتى يبقى الشعب جاهلا واميّا ليسهل السيطرة عليه والتحكم به واستغلاله كما يشاء .

لقد صدّر كتابه بكلمة شكر وعرفان لأخيه ورفيق دربه الاستاذ اسكندر عمل لمواكبته ومراجعته للكتاب حتى رؤيته للنور

ثم اعقبه بإهداء (الى كل من يحب ارض الاباء والاجداد ويدافع عنها ويحميها ..) من ايمانه بالثالوث المقدس ( الارض والعرض والدين) مؤمنا ان من يحمي ويحافظ على  ارضه فهو يحافظ و يحمي عرضه ومن يحافظ و يحمي عرضه انما يحافظ ويحمي دينه .

وقد استهل الكتاب بقصيدة للشاعر اللبناني المعروف حليم دموس مطلعها:

عليك مني السلام يا ارض اجدادي   ففيك طاب المقام وطاب انشادي

وقد قدّم للكتاب اخيه الاستاذ والمؤرخ اسكندر عمل بافتتاحية جميلة تناسب موضوع الكتاب  – من السفر برلك الى الدولة الواحدة-

استعرض فيها احتلال العثمانيين للبلاد العربية  احتلالا دام اربعة قرون من الزمن( 1516-1918) في العام الذي انهارت فيه الإمبراطورية العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الاولى واندحار  دول المركز وعلى راسها المانيا والتي كانت تركيا العثمانية شريكة فيه.

جاء المؤلف ليلقي الضوء على حقبة حالكة السواد من عمر هذه الإمبراطورية الظالمة والمستبدة  حيث( تعتبر هذه الفترة من احلك الفترات في تاريخ العرب فقد عانت البلاد العربية من الفقر والجهل والمرض قضى بها جمال باشا السفاح على عشرات المفكرين والمناضلين ضد الظلامية العثمانية )

وقد اعتمد المؤلف للتوثيق لهذه الحقبة على شاهد عيان ( عاش ويلات الحكم العثماني وجند قسرا في الجيش العثماني مع الالاف من ابناء شعبه الى قدر مجهول) اضافة الى جده يوسف الذي(روى له بالتفصيل ما عاناه وهو بذلك يكون مصدرا اوليا للحقبة التاريخية).

وقد اضاف اليه اخيه سمعان الفراري  من ( اؤلائك الذين نجوا في التهرب من هذا القدر)

وقد ضمن المؤلف كتابه بمفردات وجمل وامثال تركية لا زالت عالقة في ذاكرة المعمرين وكبار السن والختيرية  يتناقلونها لتبقى شاهدة على اثر العثمانيين في نفوس الشعوب التي احتلوها واضطهدوها واحيانا استعبدوها . في فترة عرفت بالسفر برلك .

لقد نجح الدكتور خالد في القاء الضوء على سياسة التتريك التي انتهجها المستعمر العثماني من اجل محو اللغة والحضارة العربية ليذوت لغته وحضارته في نفوس الشعوب التي احتلها حتى وصل به الامر لمنع فتح المدارس ومنع تعليم اللغة العربية وتهجير الالاف من العرب الى براري الاناضول بعيدا عن اوطانهم واحضار اتراك ليحلوا محلهم.

شارحا السياسة التي انتهجها المستعمر بدءا من فرق تسد الى العملاء والمستأجرين والفسادين والدساسين  وضعاف النفوس ليكونوا طابورا خامسا على شعوبهم تحت إمرة مؤسسة المخابرات العثمانية التي عرفت ب( السر الخفية) اي ما يشبه الشاباك والموساد لدينا .اضاف الى تسليح فئات من الشعب وضربها ببعضها البعض حتى تلتهي عن هدفها الاساسي وهو مناهضة الاحتلال والحفاظ على الارض.

كما طعّم كتاباته بمفردات وكلمات وامثال تركية لا زال الناس يتداولنها في احاديثهم ككلمة :خازوق وخوزقه وضربه خازوق طار من راسه  وكلمة ديوس –ديوث – وهو الانسان الذي لا يغار على اهله وبيته .. او كلمة يا واش يا واش اي تمهل او على مهلك او كلمة كرخانه اي دار دعارة وشلوك اي زانية وغيرها وغيرها ..

ثم لم ينسى ان يؤرخ لفترة الانتداب الفرنسي والانجليزي البغيض الذي جاء استعمارا اذكى وادهى من سابقه ليسلب خيرات البلاد ويقسم الاوطان ليجعلها دويلات متناحرة كما هو الحال اليوم .هذا الانتداب الذي كان احد اهدافه التمهيد لإقامة وطن قومي لليهود استنادا لوعد بلفور .

وقد تطرّق الى حرب عام 1948 واقامة الدولة وقوانين الحكم العسكري البريطاني الاساس ..ومدى معاناة الناس من التهجير القسري الذي رافقه القتل والاعدام واحيانا المذابح مما اجبر الغالبية العظمى على الهجرة بتشجيع الجيوش العربية ( جيش الانقاذ –جيش الاركاض) المتآمرة على سكان البلاد  كما حدث في بلد المؤلف( حيفا )حيث  وصل الحد  بوقاحتهم على اعتبار كل من يبقى في وطنه هو خائن هذا الامر الذي تجلى بكتاب السلطان عبد العزيز ال سعود  الذي يهدي فلسطين لليهود هدية بلا جزية ويتعهد بطاعة امر الإمبراطورية البريطانية حتى قيام الساعة – فما اشبه اليوم بالأمس –

وفي مضمون الكتاب يتطرق للمناضل عمه داود تركي ورفاقه في الحزب الشيوعي يهودا وعربا ممن حاولوا الوقوف ضد سياسة التهجير وتحذير السكان من مغبة ترك بيوتهم وحثهم على البقاء والنضال من اجل كرامتهم وحياتهم ووطنهم .. الا ان القوى الرجعية العربية والمتآمرة مع الانتداب البريطاني  وقادة الحركة الصهيونية كانت صاحبة القول الفصل اذ هي الاقوى وهكذا تم تنفيذ سياسة الامر الواقع وبمباركة منظمة الامم المتحدة .

هذا ويصف الكاتب  ما عاناه عمه المرحوم داود تركي  من ملاحقات وصلت الى الجز به في السجن الى 17 عاما تم اخلاء سبيله بعد اكثر من عشر سنوات في صفقة تبادل مع احدى المنظمات الفلسطينية .وهو الذي نادى بصوت جهوري عن امكانية العيش المشترك في ظل دولة واحدة تضم اليهود والعرب  حيث قال في التحقيقات معه (امنت في الماضي كما اؤمن اليوم انه بطريق الكفاح اليهودي العربي المشترك للذين يؤمنون بالاشتراكية التي سوف تحقق حين يحين الظرف المناسب لذلك رفع مستوى الطبقة العاملة والفلاحين من الشعبين)

ان هذا غيض من فيض مما جاء في الكتاب اترك للقارئ فرصة الاطلاع عليه والوقوف عن كثب عن تاريخ حقبة زمنية هامة في تاريخ بلادنا وشعبنا اسدل عليها الستار بقصد او غير قصد وفي الختام اشد على يدي اخي وصديقي الوفي الدكتور خالد وابارك له مولود الرابع على امل اللقاء بكتب جديدة رائعة كما عودنا وان يمن الله عليه بالصحة والذاكرة المتوقدة والقلم السيال وان يحفظه وعائلته الكريمة التي تشرفت بمعرفتها

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .