وفقاً قرار الحكومة رقم 2292 الصادر في يناير 2017، ولسد احتياجات صناعة الهايتك التي تعاني من نقص في المهندسين والقدرات البشرية العلمية، تم بلورة واطلاق برنامج قطري لزيادة نوعية بتعداد القوى البشرية المتخصصة المتوفرة للعمل في الهايتك، وذلك من خلال زيادة عدد الطلاب الذين يدرسون مواضيع العلوم الدقيقة والهايتك بنسبة 40% خلال ثلاث سنوات.
ويتضمن البرنامج القطري الذي يشمل كل الجماهير والمجتمعات هدفاً واقعياً على الصعيد العملي، والذي تم تحديده بعد الاخذ بالحسبان لامكانيات النمو بعدد الطلاب من المجتمع العربي الذين يدرسون مواضيع العلوم الدقيقة والهايتك اكاديمياً، وكذلك من مجتمعات اخرى، ولكن كما يبدو، فان ما لم يتم اخذه بالحسبان هو المعطيات الحقيقية للمجتمع العربي وامكانياته المذهلة على النمو بشكل مبهر قبل انطلاق البرنامج المذكور.
وهكذا، في احد اجتماعات ارباب العمل الذي انعقد قبل حوالي شهر في وزارة العمل والرفاه الاجتماعي، اكتشفت مُعطيات مُذهلة لم اكن على دراية بها من قبل:
- منذ عام 2012، عدد الطلاب العرب الذين اختاروا دراسة مواضيع الهايتك في كل سنة فاق مجمل عدد الخريجين الاكاديميين العرب الذين درسوا نفس التخصصات خلال 30 سنة (من 1984 حتى 2014)
- منذ عام 2012 حتى 2017 تضاعف عدد الطلاب العرب الذين يدرسون مواضيع الهايتك
ولتوضيح الصورة بشكل افضل، على مدى 30 سنة، من سنة 1984 وحتى 2014، وصل مجمل عدد الخريجين الاكاديميين العرب في تخصصات الهايتك الى 1598. في المقابل، في عام 2017 وحده كان مجموع الطلاب العرب الذين يدرسون مواضيع الهايتك في الجامعات قد وصل الـ 2755 طالب وطالبة، اما في الكليّات فكان العدد 2193 طالب وطالبة، اي ان قبل انطلاق البرنامج الحكومي القطري للزيادة النوعية بتعداد القوى البشرية المتخصصة المتوفرة للعمل في الهايتك، كان عدد الطلاب العرب الذين يدرسون هذه المواضيع في الجامعات والكليات الممولة في البلاد قد وصل الى 4948 طالب وطالبة، وهذا العدد مذهل بحد ذاته، خاصة في ظل النقص في المهندسين والقدرات البشرية العلمية الذي تعاني منه صناعة الهايتك وجهود الحكومة لاستقطاب واستيراد مهندسين ومبرمجين من خارج البلاد.
|
(مصدر المعطيات: مجلس التعليم العالي)
بالاضافة الى ذلك، من الجدير التمعن بالمعطيات التي تشير الى الاتخفاض بعدد الطلاب عامة، يهوداً وعرباً، الذين يدرسون في الجامعات مقابل الازياد بعدد الطلاب الذين يدرسون في الكليات، خاصة بين سنة 2016 وسنة 2017، ومقارنة هذه التوجهات مع اعداد الطلاب الذين يدرسون مواضيع الهايتك، طبقاً، في نفس المؤسسات.
وبحسب المعطيات المتوفرة، في سنة 2016 مجمل عدد الطلاب الذين درسوا في الجامعات وصل الى 78610 طالب/ة، منهم 12061 من المجتمع العربي، اما في سنة 2017، مجمل عدد الطلاب الذين درسوا في الجامعات انخفض الى 76648 طالب/ة، منهم 11878 من المجتمع العربي.
وبتحليل للمعطيات والتوجهات حول التخصصات الدراسية في سنة 2017 في الجامعات في اسرائيل، نلاحظ جلياً نمو مذهل في عدد الطلاب الذين اختاروا دراسة مواضيع الهايتك، من المجتمع العبري وكذلك المجتمع العربي، مقابل انخفاض واضح بنسبة 40% بعدد الطلاب الذين توجهوا لدراسة العلوم الادبية والاجتماعية (مصدر المعطيات: مجلس التعليم العالي).
(مصدر المعطيات: مجلس التعليم العالي)
الى جانب المذكور، بتحليل مشابه للمعطيات حول التخصصات الدراسية في سنة 2017 في الكليات الممولة في اسرائيل، نلاحظ جلياً نمو مذهل في عدد الطلاب الذين اختاروا دراسة مواضيع الهايتك، وتحديدا الطلاب من المجتمع العربي.
(مصدر المعطيات: مجلس التعليم العالي).
وعقب معاينة هذه المعطيات، لا بد من طرح السؤال الاهم: كيف تضاعف مجمل عدد الطلاب العرب الذين اختاروا دراسة مواضيع الهايتك، في الجامعات وايضاً في الكليات الممولة، وتحديدا قبل انطلاق البرنامج الحكومي القطري للزيادة النوعية بتعداد القوى البشرية المتخصصة المتوفرة للعمل في الهايتك؟!
لمن لا يعلم، في السنين الاخيرة يتزايد انكشاف المجتمع العربي على عالم التكنولوجيا، صناعة الهايتك عامة وفي البلاد خاصة. هنالك جهود جوهرية يتم استثمارها من خلال مؤسسات المجتمع المدني، بالتعاون مع ارباب صناعة الهايتك، وبعض المكاتب الحكومية، وخاصة سلطة الابتكار وسلطة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي، وغيرها من الاطر الداعمة.
مؤسسة تسوفن تعمل منذ 2008 لبناء الهايتك في المجتمع العربي، اي لدمج اكبر عدد ممكن من الاكاديميين العرب في صناعة الهايتك والى تأسيس صناعة هايتك داخل المجتمع العربي من خلال استقطاب ومساعدة شركات رائدة في تأسيس فروع ونشاطات لها في بلدات عربية، مثل مدينة الناصرة التي تحولت في السنين الاخيرة الى مركز هايتك والى نموذج لبلدات اخرى في المجتمع العربي، اهمها مدينة كفر قاسم التي تسعى الى اقامة مركز لصناعة الهايتك لتوفير مئات والاف فرص العمل في صناعة متطورة ترتكز العلم، الابتكار والتقدم.
على مدى عشرات السنين، كان هنالك كم من العقبات والعوائق المختلفة التي حرمت الاكاديميين العرب من الاندماج في سوق العمل بصناعة الهايتك. الظروف القائمة والقلق من عدم الاستقرار المهني افرزوا التخوف والنفور لدى الشباب العرب من التوجه لدراسة مواضيع الهايتك، وتجلى ذلك بتوجه متزايد لدى الشباب العرب لدراسة مواضيع الطب والصيدلة، الحقوق والحسابات، وغيرها، على حساب مواضيع العلوم الدقيقة والهايتك، وحتى جمهور اهالي الطلاب والمعلمين في المدارس كانوا يمتنعون عن تشجيع طلاب الثانويات للتوجه بدراسة الهايتك في مؤسسات التعليم الاكاديمية.
اليوم، ومع خلق الاف فرص العمل الجديدة في شركات الهايتك، وتوظيف الاف الاكاديميين العرب في صناعة الهايتك في اسرائيل، يعمل اكثر من 5 الاف مهندس في الصناعة والمعطيات تشير الى ازياد متسارع في عددهم. في المقابل، المعطيات الواضحة والمذهلة حول عدد الطلاب العرب الذين يدرسون مواضيع الهايتك – ما يقارب 5 الاف طالب وطالبة في الجامعات والكليات الممولة في البلاد، الى جانب مئات يدرسون هذه المواضيع في الخارج – تشير وتؤكد ان المجتمع العربي الذي يشكل 20.8% من المواطنين قادر خلال سنتين على سد 50% من النقص في المهندسين والقدرات البشرية العلمية الذي تعاني منه صناعة الهايتك، مما سيؤدي عملياً الى انقاذ صناعة الهايتك الاسرائيلية من مخاطر الركود وتحديات المنافسة في الاسواق العالمية.
في ظل النقص في المهندسين والقدرات البشرية العلمية اليوم، يتزايد التنافس والضغوطات على شركات الهايتك، خاصة العالمية، لتجنيد موظفين مؤهلين ومهندسين اصحاب خبرة بمجالات متعددة. على المدى القصير، بامكان الحكومة توفير حلول من خلال استيراد مهندسين من خارج البلاد كما سمعنا مؤخراً، ولكن على المدى البعيد لا يوجد بديل عن زيادة جوهرية لعدد الخريجين من المؤسسات الاكاديمية في البلاد، وهذه الإمكانية واقعية وحقيقيّة، والمعطيات التي اوردناها اعلاه حول النمو المذهل لعدد الطلاب العرب الذين يدرسون مواضيع الهايتك هي خير اثبات ان الاستثمار الصحيح سيحقق الاهداف بزيادة عدد الخريجين الاكاديميين بهذه التخصصات. كل المطلوب هو اعتماد او تنفيذ برامج متخصصة تعنى بكشف طلاب المدارس الثانوية على دراسة وصناعة الهايتك، كبرنامج تسوفن “دروس في الهايتك”، خاصةً في المجتمع العربي، بما في ذلك الطلاب، المعلمون واولياء الامور العرب، مما سيزيد عدد الخريجين الاكاديميين بهذه المواضيع وانقاذ الصناعة من المخاطر التي تحيط بها.
* الكاتب من مؤسسي تسوفن ومدير عام مشارك للمؤسسة