الخطاب الأول للنائب أيمن عودة | نص الخطاب + رابط فيديو

 

حضرة رئيس الكنيست، أعضاء الكنيست،

السّنة هي 2025.. الخطّة العشريّة ضدّ العنصريّة والتّمييز تجني ثمارها. مئات آلاف العاملين العرب اندمجوا في قطاع العمل الخاصّ، في “الهاي-تك” وفي القطاع العامّ. الفجوات الاجتماعيّة بين المواطنين العرب واليهود تقلّصت كثيرًا، والاقتصاد يزدهر لمصلحة المواطنين جميعًا.

 

اليهود يتعلّمون العربيّة، والعرب يدرسون العبريّة. التلاميذ اليهود والعرب يلمّون بكبار الكتّاب والأدباء من كلا الشّعبين.

 

البلدات العربيّة حصلت على خرائط هيكليّة، توفّر لمواطنيها عناء خطر هدم بيوتهم.

 

في المؤسّسات الحكوميّة ومجالس الإدارة، في الوزارات والمحاكم، بات من الممكن أنْ تلتقي بأشخاص من مختلف أطياف المجتمع.

 

فلسطين تحتفل باستقلالها. إسرائيل وفلسطين تقيمان علاقات سياحيّة وتجاريّة، ترتكز على الاعتراف المتبادل والاتّفاق على حلّ عادلٍ للصّراع الطّويل الأمد.

 

يحدث هذا كلّه بعد أنْ أدركنا أنّ المصالح الحقيقيّة لكلا الشّعبين مشتركة. كلاهما يريدُ بركة الحياة. 

 

هذه ليست أمنيَةً. باستطاعتنا فعل ذلك. باستطاعتنا تعميق الهاوية بيننا، وبإمكاننا أنْ نختارَ الحياة.

 

 

 

 

حضرة الرئيس،

بمشاعر حمل الرّسالة أقف أمامَكم كممثّل القائمة المُشتركة، بثلاثة عشر أعضائها، الذين يعكسون الوجه المتنوّع للمجتمع العربيّ، وشركائنا اليهود في نضالنا من أجل السّلام والديمقراطيّة.

 

حضرة الرئيس،

قبل شهر سرتُ على الأقدام إلى القدس مع ممثّلي القرى غير المعترف بها في النقب. انطلقنا من القرية غير المعترف بها وادي النّعم. في الخمسينات ركّزت الحكومة كلّ أهالي القرية في مكان واحد، ومنذ ذلك الحين وهم يسكنون قربَ موقع النّفايات السّامة رمات حوفاف، بدون كهرباء، بدون مجارٍ  أو ماء. في وادي النّعم التقيتُ بسالم ابن السّادسة، مع حلول الظلام يحدّق بالأضواء السّاطعة من زرائب الكيبوتسات والمزارع الفرديّة من حوله.

زملائي أعضاء الكنيست، حاولوا معاينة الواقع من خلال عيني سالم. انظروا إلى الواقع من خلال عيني مجد، طالب في جامعة تل أبيب، غير قادر على استئجار شقّة. حاولوا تخيّل طرقَ الهاتف بوجهه عند اكتشاف لهجته، أو عند سماع اسمه. 

انظروا إلى الواقع بعيون عماد وأمل، زوجين عربيّين شابّين يبحثان عن بيت. لقد بنت الدّولة 700 بلدة جديدة منذ قيامها، 700 بلدة يهوديّة، لكنّها لم تبنِ أيّ بلدة عربيّة في المثلّث والجليل. لمعظم البلدات العربيّة القائمة لا توجد خرائط هيكليّة مُحدّثة. وأنا أتساءل، أين ينبغي أن يسكنَ الزّوجان العربيّان؟ أفي الهواء؟

تخيّلوا أنفسكم مكان هبة، شابّة مفعمة بالحيويّة أنهتِ الثانويّة لتوّها وهي تبحث عن عمل في المركز التجاريّ. في الإعلان الذي لفت انتباهها اكتشفتْ أنّ طلب العمل موجّه للمُسرّحين من الجيش فقط. هل تستوجبُ مهمّة النّادل في مطعم خبرة عسكريّة؟

هؤلاءِ هم أبناء الجيل الأكثر تعلّمًا في أوساط الجماهير العربيّة، لكنّ الأبواب تُطرَق في وجوههم مرّةً تلوَ الأخرى.

 

باسم سالم من وادي النّعم، باسم مجد الطّالب الجامعيّ، باسم عماد وأمل، باسم هبة، باسمهم وبفضلهم ومن أجل حقوقهم أنا موجودٌ هنا.

 

زملائي أعضاء الكنيست، أنا أقفُ أمامَكم اليومَ كممثّل الأقليّة القوميّة التي ترفض الدّولة بشدّة أن تعترفَ بها كما تعرّف هي نفسها.

 

إنّني أحفظ عن ظهر قلبٍ مئات القصائد لمحمود درويش، سميح القاسم وتوفيق زياد، وكان لي الشّرف أنْ أقرأ كتبًا لإميل حبيبي ومحمّد علي طه، رغم أنّ تدريسها ممنوعٌ في المدارس. ألم يحنِ الوقتُ لأن نحصل على المناهج التي تخصّنا من الباب الرّئيسيّ لجهاز التّعليم؟

 

سيّداتي وسادتي، اللغة العربيّة هي لغة رسميّة. إنّها حاضرة على لافتات الشّوارع في تل أبيب كجزء من الحيّز العامّ. فانظروا، ويا للعجب، لم يُوقعْ هذا الأمرُ أيّ خرابٍ لأيًّ من سكّان أيّ شارع فيها.

 

الاعترافُ بالحقوق القوميّة لا ينتقص من حقوق سائر المواطنين، بل على العكس، إنّه يُغني الحيّز العامّ الذي نعيش فيه.

 

سنستمرّ في المطالبة بالاعتراف بنا كأقليّة قوميّة لها الحقّ في الحصول على المساواة الكاملة، المدنيّة والقوميّة، وسنناضل من أجل تحقيق ذلك.

 

حضرة الرّئيس،

أنا أشعرُ بالتّضامن مع معاناة اليهود على مرّ أجيال كثيرة، كما أشعرُ بالألم الشّديد الذي حلّ باليهود والمتّصل بماضيهم، وأفهمُ القلق الذي ينتاب الكثيرين منهم. إنّني لا أستخفّ بهذا مطلقًا.

لكنّ معاناة اليهود لا تبرّرُ المعاناة أو التّمييز ضدّ المواطنين العرب، كما لا تُبرّر  استمرار استعباد الشّعب الفلسطينيّ في المناطق المحتلّة. شتّان بين هذا وذاك.

 

في الوقت الذي يعمّق فيه وزراء الحكومة الاحتلال، وتُنتَهك الحقوق الأساسيّة للشّعب الفلسطينيّ وتُحوّل أموال الضّرائب التي ندفعها إلى المستوطنات بدلاً من الطبقات المُستضعفة، هناك من يطالب أعضاء الكنيست العرب بعدم التحدّث عن الاحتلال. هناك مَنْ يعد بأنّ قضايانا ستحظى بأذنٍ صاغية إذا كتمنا أنفاسنا في هذه القضيّة.

وأنا أسألكم، زملائي أعضاء الكنيست، كيف يمكنني أن أصمت في وجه القدر المُؤلم المُلمّ بأبناء شعبي في الضّفّة، وغزة ومخيّم اليرموك؟ المأساة الفلسطينيّة مستمرّة يومًا بعد يومٍ وساعةً تلوَ ساعة. لن يغفل لنا جفن في ظلّ ما يجري حولنا، ولن نتوانى عن السّعي إلى تحقيق السّلام. من حقّنا وواجبنا، كفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل، أن نقف على كلّ المنابر مُطلقين نداء الحرّيّة لأبناء شعبنا. نعمْ، إخوتُنا أيضًا يستحقّون الحرّيّة!

هذه الأرض الطيّبة خيرُها لنا جميعًا، عربًا ويهودًا. إذا حوّلناها إلى ساحة حرب ستلفظنا، وإذا زرعناها معًا ببذور المستقبل فستباركنا بثمارها.

 

 

زملائي أعضاء الكنيست، في مقتبل شبابي تأثّرتُ بالنّضال الشّعبي الذي خاضه الشّعب الفلسطينيّ في الانتفاضة الأولى، وقدتُ مظاهرات تضامنيّة في حيفا. كنتُ في الخامسة عشرة من عمري عندما استُدعيتُ للتّحقيق في “الشّاباك”. لم أفهمْ في البداية كُنه ما يجري، واعتقدت بأنّني حصلتُ على شهادة شرفٍ فامتلأتُ فخرًا. رويدًا رويدًا أخذت الكارثة تتّضحُ لي: تمّ استدعائي لتحقيقٍ تلوَ الآخر. بدأتُ أشكّ بالجميع، انفصلتُ عن أصدقائي وبقيتُ وحيدًا. ولولا وجود والدي، فاطمة وعادل، الجالسين في المُدرّج اليوم، لا أعتقد أنّني كنتُ سأصمد. 

 

إنّ مَن كان رئيس “الشّاباك” حينها هو زميلي هنا اليوم. أنا أتوجّه إليك مرفوع الهامة، كإنسانٍ لم ينسَ، ولو ليومٍ واحدٍ، الشّاب الصّغير من حيفا المفعم بالحماس والأمل، الذي كادت تتحطّم حياته بسبب “الشاباك”. رغم ما مضى، فإنّني أتوجّه إليك وأتوقّع منك أن تكون شريكًا شُجاعًا، من أجل المساواة والديمقراطيّة للمواطنين جميعًا.

من هنا أتوجّه إلى المواطنين العرب الذين منحونا أصواتهم وثقتهم.

أجدادنا وجدّاتنا كانوا أبناء جيل النكبة، (كما ينبت العشب بين مفاصل صخر) آباؤنا كانوا أبناء الجيل الذي ناضل وصمدَ في ظلّ الاضطهاد والتّمييز، جيلنا سيحقّق المساواة.

إخوتي وأخواتي، الإمبراطوريّة العثمانية سعت إلى إلغاء الهويّة العربيّة لدى مواطنيها العرب، وتحويلهم إلى أتراك، وحاربتْ كلّ الملامح العربيّة وكلّ كاتب ومبدع. كتّاب وشعراء عرب أعدموا، لكنّ الإنجاز التركيّ بين العرب اقتصرَ على تبنّي كلمة الاستهزاء التركيّة: “طز”!

هل تسمعون قعقعات الضّحك الصّادرة عن التّاريخ؟

في فترة الحكم العسكريّ في إسرائيل كان هناك مَن حاول ضرب عزّتنا الوطنيّة، وتشويه هويّتنا الجماعيّة. ردًا على ذلك كتب الشّاعر الكبير محمود درويش: سجّلْ أنا عربيّ!

إخوتي وأخواتي، لا تستسلموا لليأس ولفقدان الثّقة. كلّ الثقة بانتمائنا القوميّ، هويتنا قوية سنُدافع عن انتمائنا، ومع ذلك سنندمج ونؤثّر. إنّ عزّتنا وهويّتنا القوميّة لا تتنافيان مع إرادتنا في أن نكون جزءًا من المجتمع في الدّولة.

 

اخوتي وأخواتي،

بدأت في العام 2025، وانا ادرك انه في العام 2015 الوضع مختلف كليًا. نحنُ نسير في مسيرة طويلة، ستكون فيها عقبات وحفر، هناك مَن سيشكّك بنا. وهناك مَن سيتمنّى لنا الفشل. لكنّنا سنواصل مسيرتنا معًا مُتشابكي الأذرع. لن تثنينا الصّعوبات ولن تكسر أرواحنا. منارتُنا الأخلاقيّة هي التي تُوجّهنا، لأنّ طريقنا عادلٌ. طريقنا على حقّ.  

 1

 

حضرة الرئيس،

أنا، أيمن عودة، لا أشكّل تهديدًا، شأني في ذلك شأن نصف مليون مواطن منحونا صوتهم وثقتهم، سيّدي رئيس الحكومة. كلّ مواطن يجب أن يفرح لهرولة المواطنين إلى الصّناديق، أن يتباهى بأنّهم يهرولون إلى الصّناديق رغم السّياسة التي يقودها رئيس الحكومة. هذه الأصوات تطالب بحقّها في المساواة المدنيّة والقوميّة – لها وللمواطنين كافّة.

 

مجلس الشعب في اثينا القديمة افلس، ليس بسبب اعداء خارجيين. انهار بسبب قانون “الاوسطراقيزم”، الذي سمح بطرد اعضاء البرلمان بسبب آرائهم بتصويت ديمقراطي. وعندما اصبح “الأوسطراقيزم” اداة متداولة، فقد برلمان اثينا قوته الاخلاقية. اليوم، عندما تقدم الأغلبية قانون المقاطعة، قانون النكبة، قانون المواطنة، قانون لجان القبول وقانون المحكمة العليا- نجد انفسنا في عصر الاسطراقيزم الاسرائيلي. هذه ليست فقط سيطرة الأغلبية، هذا ملاحقة.

 

في الكنيست السّابقة تحدث رؤساء الأحزاب عن سياسة جديدة، لكنّهم واصلوا السياسة القديمة المليئة بالكراهية والتفرقة. جوابنا لهؤلاء – مسؤوليّتنا الأخلاقيّة – هو الوقوف إلى جانب كلّ الفئات المستضعفة: إلى جانب الأثيوبيّين، الشّرقيّين، المتديّنين، الرّوس، عمّال المقاولة، معدمات السّكن. حتى مع هؤلاء الذين ترعرعوا على الحذر منّا وكرهنا. هم ونحن أيضًا نستحقّ المساواة. قال مارتن لوثر كينغ: “إنّ الظلم في أيّ مكان هو تهديدٌ للعدل في كلّ مكان”.

زملائي أعضاء الكنيست، بين أبناء عائلتي المتأثّرة في المُدرّج يجلس ابني أسيل. بعد غدٍ سيبلغ الرّابعة من عمره. يحمل أسيل اسم خاله أسيل عاصلة، شقيق زوجتي، الذي استشهد وهو في السّابعة عشرة من عمره في أحداث أكتوبر 2000، عندما كان يبحث عن مخبأ في كرم الزّيتون، وهو لم يُهدّدْ أحدًا. الجاني لم يُحاكم والعدالة لم تتحقّقْ بعد. سنعمل من أجل إحقاق الحقّ وتحقيق العدالة.

عندما وُلِد ابني في التاريخ الذي وُلِد به خاله بالضّبط، رأينا في ذلك علامة. فقرّرنا أنْ نسمّيه أسيل كرمزٍ لاختيارنا الحياة. فليكنْ ما سيكون، فأبناؤنا وأحفادنا سيُواصلون الحياة معًا في هذه البلاد، عربًا ويهودًا. ليس لنا مفرّ سوى أنْ نختار الحياة.

تعالوا نختار الحياة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .