يقول الناقد السوري، كمال أبو ديب في لقاء معه: “لدينا إبداع لا يقلّ امتيازا عمّا ينتجه الغرب، لكنّنا أدمنّا تهميش أنفسنا”. وأنا أتّفق معه تماما وأضيف: “وأدمنّا الجهل الذي نعيشه، سواء فُرِض علينا أو فرضناه على أنفسنا” وذلك لأسباب عديدة، ولكن سياسية واجتماعية بالأساس.
وإن كان التعميم جائزا هنا، إلّا أنّني أقول ذلك الآن، لأنّ عددا ليس بقليل من المثقّفين العرب يرون أنّ ما بلغناه من إبداع، مرتبط ارتباطا كليّا بما أخذناه عن الغرب، وبذلك لا يكونون قد تجاهلوا نظرية المؤامرة فحسب، بل شاركوا فيها أيضا. ووجودهم بيننا، والذي لا يختلف كثيرا عن وجود السلطة السياسية، يُؤكّد أن وجود الاستعمار وخطابه القمعي المستبدّ، ما كان ليرحل فيزيقيا، لو لم يضمن استمراره الميتافيزيقي، معتمدا بذلك على صنائعه السلطوية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى الدينية، التي خلقها قبل رحيله.
وتساءلت أثناء قراءتي: ماذا سأقول عن كتاب كهذا، غير أنّه على كل مثقّف يهتمّ بتراثنا وأدبنا ويُؤمن بقدرتنا على الإبداع، أن يقرأه من الغلاف إلى الغلاف، وبعمق، خاصة وأنّ لكل واحد منّا ارتباطه الخاصّ بالسلطة، ونزوعه المتوارث نحوها، وفي داخله معاناة منها، وبشكل خاص من السلطة العربية على جميع مستوياتها وأشكالها. وسؤال آخر شغل تفكيري: كيف سأبتعد فيما سأقوله في هذه العجالة، عن السطحيّة، والوقت لا يكفي للحديث عن فصل واحد من فصول هذا الكتاب الذي يطرح بعمق، كثيرا من المسائل والمشكلات التي واجهها وما زال يواجهها الوجود العربي بكل مكوناته الثقافية والسياسية والاجتماعية، والاقتصادية؟
المشكلة هنا، ليست علاقة كمال أبو ديب الشخصية بالسلطة العربية، ولكنّها بلا شكّ، صورة من صورها. وهو حين يقوم في كتابه، ليس بتوصيف السلطة العربية بكل أشكالها فحسب، بل بتفكيكها ودراسة تعالق أقانيمها الثلاثة: الألوهة والحاكمية والأبوة، إنّما يسعى لفضح الحالة العربية التي تكرّس العبودية والتّبعية. وهو يفعل ذلك تمهيدا وتيمّنا بانتقال المبدع العربي من حالة محاكاة الثقافات الأخرى، الغربية بشكل خاص، إلى حالة الإلهام التي، كما يرى أبو ديب، لم نصلها حتى الآن، ليس لأنّنا عاجزون، بل لأنّ هذه الحالة مرتبطة كليّا بالأوضاع العربية: السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
للتأكيد على قدرتنا وعدم عجزنا، استعان أبو ديب بناقدين عربيين، اعتبرهما أكبر ناقدين في العالم، وهما: المصري إيهاب حسن والفلسطيني إدوارد سعيد. فالأول هو أهمّ ناقد لدراسات الحداثة وما بعد الحداثة. والثاني، لم يترك موضوعا يتعلّق بالقضايا العربية والإسلامية والفلسطينية إلّا نبشه وكتب فيه، ويكفيه أنّه صاحب كتاب “الاستشراق” الذي فكّك نظريات الغرب في هذا المجال وفضحها. وكمال أبو ديب هو من نقل كتاب “الاستشراق” إلى العربية، وقدّمه للمثقّف العربي ليقول له: “جاء الوقت لتقف على حقيقة الاستشراق وحقيقة تعامل الغرب معنا”. كما أنّ لكمال أبو ديب إسهامات نقدية عديدة، فيها إضاءات وإضافات كثيرة إلى ما جاء به الغرب من نظريات.
في دراستي حول الحرية والإبداع والرقابة، والتي بيّنت فيها أثر الرقابة على الرواية السورية الحديثة، أشرت إلى أنّ الرقابة ومنع نشر الكتب أو إحراقها بعد نشرها، ليس امتيازا عربيا. ومن يقرأ أعمال كمال أبو ديب، وخاصة هذا الكتاب، سيجد أنّه يفعل ذلك بشمولية أكبر، ليؤكّد ما سبق وذكرته أنّ “لدينا إبداعا لا يقلّ امتيازا عمّا ينتجه الغرب”، ويضيف أنّ القيم الإنسانية المختلفة، وأنّ الحرية والتقدّم والمعرفة والحداثة والديمقراطية والعدالة، كل ذلك ليس صناعة صدّرها لنا الغرب، بل هي قيم عريقة في الوعي والتراث العربيْين قديما وحديثا، وقد حاول الغرب أن يُجرّدنا منها. “كليلة ودمنة” و”المقامات” و”ألف ليلة وليلة” قديما، هي خير نموذج لذلك، وفي العصر الحديث. الكتابات العربية منذ أواسط القرن التاسع عشر، كان لها كبير الأثر في تقدّم الإنسان العربي نحو الحرية والإبداع، وبدونها ما كان يستطيع أن يسعى إلى انتزاع حريته من الاستعمار. ففي عام 1855، صدر في باريس كتاب “الساق على الساق” للشدياق، وفيه للحرية والمرأة ونقد المجتمعات الشرقية والغربية التي عاش فيها، نصيب كبير. وفي عام 1865، كتب فرنسيس مرّاش روايته “غابة الحق” التي تعتبر أول رواية عربية. هي ليست رواية بالمفهوم الفنّي للرواية، ولكنّها بلا شكّ تطرح بجرأة، موضوع الخير والشرّ والحرية والعبودية، وكون الحرية شرطا من شروط بناء الحضارة والحفاظ عليها. وبعدهما جاء الكواكبي وكتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، وهو مجموعة مقالات كتبها أواخر القرن التاسع عشر، يطرح فيها موضوع الاستبداد بكل أشكاله وخاصة الاستبداد السياسي. وقد مات الكواكبي مسموما عام 1902، بسبب كتابه هذا.
يُحاول أبو ديب في كتابه، رصد البنى الأساسية للوجود العربي قديما وحديثا، لا لكي يبكي على ما فات، ولا على الحاضر الذي لا يختلف عنه كثيرا، وربما يفوقه في الظلم وهيمنة السلطة على مقدرات الإنسان العربي، وإنّما يفعل ذلك ليفضح السلطة، من خلال إلقاء الضوء على بعض الأفكار الثورية التي استشعر خطورتها على الحياة العربية وعلاقة العرب بأنفسهم من جهة، ومن جهة أخرى علاقتهم بالآخَر، في زمن التحولات المعرفية الهائلة وأثرها بشكل متباين على الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في العالم عامة وفي العالم العربي بشكل خاصّ.
يرى أبو ديب أنّ العرب منذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم، حقّقوا إنجازات كثيرة ومهمّة في مجالات مختلفة مثل: تحرّر المرأة، تطوير التعليم، والبحث في مجالات العلم والمجتمع والسياسة والإبداع الأدبي، ولكن التخلّف والجهل المستشري أصلا والذي تكرّسه السلطة بأشكالها في المجتمع، ساقهم إلى هدم إنجازاتهم بأيديهم. وفي ذلك إشارة واضحة إلى ما فعله “الربيع العربي” الذي قد تكون هويته أيّ شيء، إلّا عربية!
ويرى أبو ديب إلى السلطة العربية على أنّها سلطة ذكورية، حيث يكاد يكون التاريخ العربي خاليا من سلطة الأنثى أو المرأة، لدرجة تجعله يُشكّ في سلطة شجرة الدرّ في مصر كسلطة أنثوية، وينظر إليها كمجرّد امرأة تقف برأس هرم ذكوري. ولذلك، فهو ينظر إلى “ألف ليلة وليلة”، كحالة خاصة، إن لم تكن شاذّة، في التراث والسرد العربيين. ليس لأنّ السارد امرأة فحسب، إنّما لأنّ الأنثى، المتمثّلة بشهرزاد، هي السلطة التي تُهيمن على السرد، والخطاب في سردها خطاب أنثوي ذكيّ وقويّ، قادر على مواجهة سلطة الذكر المتمثّل بالملك شهريار الذي لا يُشكّل أكثر من متلقٍّ محكومٍ كغيره من المحكومين العرب. فسلطة النصّ على المتلقّي لا تختلف عن سلطة الحاكم على المحكوم، لا بل قد تفوقها كما يرى أبو ديب.
التعالق بين أقانيم السلطة الثلاثة، الألوهة والحاكمية والأبوة، كعلامات بارزة للسلطة الذكورية، يتجلّى، وهنا أقتبس، في “كون قطبي هذه العلاقة هما الألوهة والأبوة، أحدهما يُجسّد طرفها الأقصى شاقوليا، والآخر طرفها الأدنى. أما الحاكمية، فإنّها تلعب دورا توسّطيا بين القطبين … تمتح من كليهما بذكاء خبيث، وتسمح لهما بالإشعاع نحوها عفويا، كما تجهد لإقامة روابط صريحة بينها وبينهما تتجاوز الإشعاع العفوي، وتدخل في نطاق التخطيط والاستغلال المملوءين دهاء بهدف التحكّم التلاعبي وممارسة القوة، فالحاكمية زئبقية رجراجة في مقابل الثبات والرسوخ اللذين تتمتع بهما الألوهة والأبوة في المجتمع العربي”. (انتهى الاقتباس).
ولكي نفهم هذه السلطة الخبيثة، أو الحاكمية التي تتلاعب بمقدرات الإنسان العربي، علينا تفكيك خطابها، أو إنشائها كما يُسمّيه أبو ديب، وكلاهما ترجمة لمفردة (Discourse) الإنجليزية، أي علينا أن نحلّل ونفهم لغتها أو نظامها اللغوي على جميع مستوياته وأبعاده، لأنّها بهذا النظام، وتأثيرها به على محكوميها، تضمن بقاءها واستمراريّتها.
بواسطة التحليل أو التفكيك، أو التشريح، والفهم العميق والصحيح، يسعى أبو ديب إلى “اكتناه” طبيعة الخطاب السلطوي، وأشكاله، وفنونه، وشروط إنتاجه، وعلاقته بالمحيط الذي أنتج فيه. ولعلّ د. حاتم الصكر، الذي كتب حول كتاب “جدلية الخفاء والتجلي ـ دراسات بنيوية في الشعر”، كتب مقالة بعنوان “ثنائيات الخفاء والتجلي كما يراها كمال أبو ديب، صرامة البنيوية واكتناه الأعماق”، لعلّه لا يُجانب الحقيقة حين يقول “لعلّ مقولة (الاكتناه) هي من أكثر المفاهيم إلحاحا على كمال أبو ديب في اشتغالاته النقدية بدءا من دراسته الأكاديمية عن الحداثة النقدية في التراث مجسّدة في كتابَيّ عبد القاهر الجرجاني: “أسرار البلاغة” و”دلائل الإعجاز”، حيث كانت الميتافيزيقا تلوّن مفهوم الاكتناه بما أنّه غورٌ على الجوهر وبحثٌ في الأعماق، وترافقه عبر تحولاته من البنيوية الصارمة في نموذجها اللساني ـ حسب دي سوسير ونوعم شومسكي ـ إلى منهجيات ما بعد البنيوية، كالقراءة والتلقّي وإعادة الاعتبار لدور القارئ وما يصبّه على المقروء من وعي وإدراك وتأويل”. وفيما أرى، هذا هو ما يفعله أبو الديب في كتابه الذي نحن بصدده، والذي يحضّ فيه على اكتناه سلطة النصّ، في دراستنا لفنون الكتابة وأجناسها في الثقافة العربية وفي الثقافات الأخرى، ذلك لأنّه يُريدنا أن نصل بنقدنا، إلى نقد قادر على المقارنة بين الثقافات، لأنّ ذلك يجعلنا أكثر قدرة على فهم الإنسان عامة.
وفي تشريحه للسلطة وخطابها، يُشير أبو ديب إلى سيطرة النصّ، ويُقارن بين ما جاء به ميشيل فوكو وإدوارد سعيد. أولا فوكو الذي دفع بتحليل السلطة إلى مستويات جديدة، حيث نقله من تجلّيها في مستوى ممارسة الحكم سياسا، إلى مكامن السلطة الخفية في البنية الاجتماعية، وفي التنظيم القيمي، والتصنيف الأخلاقي والجنسي والسلوكي، فدرَسَ أشكال السلطة في العلاقة بين القوي والضعيف، الرجل والمرأة، السليم عقليا وغير السويّ عقليا، المستقيم أخلاقيا والمنحرف أخلاقيا، وبين الأغلبية والأقلية، اجتماعيا وأخلاقيا وثقافيا. والأهمّ من ذلك، نَقَلَ التحليل إلى مستوى الخطاب واللغة في النصوص التي تنتجها السلطة للتأثير على العالم الذي تتحكّم به. وثانيا ما جاء به سعيد، الذي نقل تحليل مفهوم السلطة من مجال الخطاب العام، إلى مجال دراسة النصّ الأدبي بشكل خاصّ، حيث يرفض سعيد اعتبار النصّ كيانا قائما بذاته منفصلا ومستقلّا عن دنيوية العالم الذي أُنتج فيه. وهذا أمر مهمّ جدا، خاصة أنّ “أبو ديب” يرى أنّ ثقافتنا العربية، تلعب فيها النصوص دورا مؤثّرا في صياغة الوعي، والذّات، والإدراك، والرغبات والعلاقات بين الإنسان والإنسان على كل المستويات، من ممارسة السلطة إلى العلاقة الفردية. ولكن، كما يرى، ما ينقصنا هو الوعي النقدي الذي يُمكّننا من إدراك آليّات السيطرة التي يُمارسها النصّ علينا والتي تُغذّي بها ثقافة السلطة حياتنا اليومية. ذلك لأنّ السلطة العربية، بأقانيمها الثلاثة، الألوهة والحاكمية والأبوة، وما ينتج عنها من أشكال أخرى للسلطة، تُمارِس علينا هيمنتها من خلال خطابها المتجذّر في نصوصها، حيث يُصبح النصّ بأشكاله، أكثر تأثيرا علينا من السلطة التي تُنتجه. ولذلك يسعى أبو ديب في كتابه، إلى الكشف عن حاجتنا الماسّة إلى ذلك الوعي النقدي القادر على الاكتناه والمقارنة، لعلّنا في المستقبل نكون قادرين على دفع سلطة النصّ والتخلّص من سيطرته علينا، لنصل في النهاية إلى مرحلة الإلهام والإبداع المتحرّريْن من سلطة المحاكاة والنقل، والتحرّر من خطاب السلطة وممارساتها الفيزيقية والميتافيزيقية علينا. ذلك لأنّ “أبو ديب” يرى في كتابه، أنّ استقراء تاريخ الكتابة العربية، وبشكل خاص في الأدب العربي، يكشف خصيصة جوهرية مميّزة لها، هي ارتباطها الوثيق بالسلطة في أشكالها المتعدّدة، وبشكل خاص السلطة السياسية.
يُقدّم أبو ديب الكثير من نماذج الكتابة العربية التي نشأت قديما، في كنف السلطة، وعلى رأسها كتاب “كليلة ودمنة” كأوّل نصّ عربي كُتِب بشكل فنّي تعبيرا عن الهواجس المتعلّقة بإشكالية السلطة، ومن أجل أن يطرح تساؤلات حول قدرة الإنسان على البقاء في وجود السلطة، وباحتكاكه بها وعلاقته معها. ولكنّه يُخصّص في كتابه أيضا، مساحة شاسعة للكتابة العربية الحديثة وإشكالية السلطة. وفيها يُناقش أشكالا متنوّعة من الكتابة العربية، بدءا بالشعر وانتهاء بالمسرح. ويختار لذلك نصوصا لشعراء وكتّاب تشغل مشكلة السلطة حيّزا ملموسا في انتاجهم الشعري أو النثري. أذكر منهم: أدونيس، سعد الله ونوس، زكريا تامر، وبشكل خاصّ عبد الرحمن منيف الذي يُقدّم في روايته “شرق المتوسط”، إحدى أبلغ الشهادات ضد السلطة السياسية إدانة وتأثيرا. ولعلّ ما قاله الشاعر العراقي، مظفّر النواب في قصيدته “بحّار البحّارين” يُقدّم شهادة أخرى لتوغّل السلطة العربية في حياة الإنسان العربي وتأثيرها عليه. يقول:
منْ أنتَ … وفي هذا الوقتِ المشبوهِ تزورُ؟!
أطرقَ بحارُ البحارينَ وخبّأَ في الصدفِ الحيِّ حكايتَهُ
فالعُثّةُ في بلدِ العسكرِ
تفقسُ بينِ الإنسانِ وثوبِ النومِ وزوجتِهِ
وتُقررُ صنفَ المولودِ
وأينَ سيكوي ختْمُ السلطانِ على إليتِهِ
فإذا آمَنَ بالحزبِ الحاكمِ
فالجنّةُ مأواهُ!
ويُنهي أبو ديب كتابه بالحديث عن اغتيال الفكر النقدي والأدوات التي تُمارسها السلطة العربية لتنفيذه، وعلى رأسها تدجين المثقّف أو تهجيره، وبذلك تعمل السلطة على تفريغ الحياة العربية من طاقات الإبداع والتغيير.
السلطة العربية، ترى بالمبدع العربي عدوا لها، يُحرّض عليها ويعمل على تغييرها، ولذلك، بدل حمايته ودعمه، تسعى إلى أحد أمرين: تدجينه أو التخلّص منه، بالقتل أو المنفى. وفي المنفى لا يكون وضعه أفضل، فإما أن يرضخ لمتطلبات السلطة هناك، ويشعّ عليها من إبداعه، وإما أن يحدث له ما حدث مؤخّرا للعالم السوري، ولغيره الكثيرين من علماء العرب ومبدعيهم الذين رفضوا التدجين والخضوع، فاغتالتهم أذرع المخابرات الصهيو-أمريكية وغيرها. ويجيء هذا الاغتيال استمرارا لتطبيق نظرية المؤامرة التي بدأتُ بها، والتي جاء الوقت لأن يعي المثقّف العربي وجودها وأهدافها، والأهمّ من ذلك، ضلوع السلطة العربية في دعمها وتنفيذها.
ودعوني أنهي مداخلتي بفقرة يُنهي بها أبو ديب كتابه، ولكن انتبهوا الآن، أو عند قراءتكم لها في الكتاب، ألّا تكتفوا بسطحها، وإنّما حاولوا سبر غورها واكتناه مقصدها، وما تُشيعه على السطح من تفاؤل وفرح، وما تُخفيه في العمق من ألم وغضب ونقد وفضح. يقول:
“وهكذا تتكامل المأساة، و”يتألّق” الوضع العربي الراهن لتهجير المثقّفين وأصحاب الكفاءات، منارة سامقة للأجيال التي تأتي: تلك التي تنشأ منها على أرض “الوطن”، وتلك التي تولد في المنافي. وهكذا نصنع المستقبل، ونشعّ على العالم الفاسق الفاسد الضائع بحضارتنا الجديدة التي ستُنير الآفاق وتصنع للإنسانية عهدا جديدا من النور والهداية والخير والبركات. وهكذا أيضا نبني مجتمعا جديدا خلّاقا رائدا للفكر والحقّ والعدالة والحرية، ونبني الإنسان الجديد: الحرّ الكريم المبدع المتطوّر المشعاع. وإنّا لعلى ثقة بالنصر. وإنّا لمنتصرون، وإنّ ربّك لعلى كل شيء قدير”.
شكرا لحسن إصغائكم.
(ألقيت هذه المداخلة في أمسية إشهار كتب كمال أبو ديب، في نادي حيفا الثقافي بتاريخ 27/9/2018)