وصل الى موقع الوديان من ابن عسفيا الكاتب هادي زاهر تعليقا على ظاهرة الانتحار لدى ابناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، ويقول فيه ان الامر بمثابة عنوان صارخ ومعلومات مريبة تكاد أن تحرك حتى الموتى.. كون نسبة الانتحار لدى الشبيبة في أوساط الطائفة الدرزية في إسرائيل تفوق المعدل العام بنسبة 212 %.. نعم.. نعم هذه هي الحقيقة الجزئية، والحقيقة أغرب من الخيال..
واضاف، ان هذه النسبة لم تكن دقيقة وهي أكثر من ذلك بكثير ولكن هناك من الأهالي من رفض الحديث عن انتحار أبنائهم، وهناك من ادعى بان ابنه قُتل في حادث غامض أو في حادث طرق أو.. أو.. ولو أخذنا جميع من انتحر بعين الاعتبار لفاقت النسبة المذكورة بكثير.
واستطرد الكاتب زاهر القول، هذا ما توصل إليه الباحث الدكتور “سليم بريك” بعد أن كلفه فضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية ببحث الأسباب التي تدفع بالشباب الدروز إلى الانتحار بهذه النسبة الغريبة العجيبة.. الشيخ موفق ومن منطلق الشعور بالمسؤولية كلف الدكتور “بريك” للقيام بهذه المهمة رغبة منه في أيجاد آلية للحد من هذه الظاهرة، لم يستسلم للمسلمات التي تقول: لا رحمة على من قتل نفسه” و “جهنم وبأس المصير”إلخ..
وماذا كانت نتيجة البحث الميداني الذي أجراه الأستاذ “بريك”
من خلال هذا البحث تبين بان 23% من المنتحرين يضعون حدًا لحياتهم ضمن خدمتهم الإجبارية، وفي سلك الأمن، وتساءل زاهر: هل هذه النتيجة هي التي أدت إلى تجميد التعامل مع هذا البحث؟!!
واوضح الكاتب ان البحث بيّن بشكل لا مجال فيه للإنكار بان أزمة الهوية.. الصراع مع الذات حول ماهية الخدمة الإجبارية من بين الأسباب الأساسية التي تدفع بالشاب الدرزي إلى الانتحار، ولا يستطيع أحد تغطية السماوات بالعباءات، فالشاب الدرزي الذي تربى على العدمية القومية من خلال البرامج الدراسية المفروضة على مدارسنا، ونتيجة للأجواء التي أنتجت لهذا الهدف داخل مختلف الأطر، من بين الأسباب الرئيسية للانتحار..
الشاب الدرزي في هذه البلاد يستيقظ ضميره في اللحظات الصعبة عند سماع ضرب المدافع وهطول القنابل ومقتل الأبرياء..
يستيقظ ضميره ويفكر بمنأى عن الآخرين ويسأل ذاته: “لماذا علي أن أحارب؟.. لماذا أكون مجرد أداة رخيصة ولمصلحة من، وضد من؟”
يستيقظ حسه القومي يقوده استنتاجه إلى أنه يحارب شعبهً، هذا إلى جانب من صادر أرضه وحجب حقوقه وتركه فريسة لواقع تعيس يمنعنه من بناء بيته وتوفير ظروف معيشية طبيعية بدون ملاحقات وغرامات.
هذا الصراع الذاتي الأليم يتصاعد وعند بلوغه القمة، في لحظة الذروة أثناء انطوائه يقود إلى الانتحار..
هكذا مثل لمح البصر. ويتساءلون: “بالأمس كان سعيدًا” وهذا صحيح ولكنه بالأمس لم يغزوه الصراع ولم يبلغ ذروته.. وقد قيل ” عند معرفة السبب يبطل العجب”.
طبعا هناك أسباب أخرى لا نستطيع أن ننكرها ونحصرها في هذا موضوع، ولكن كل هذه الأسباب تذكر ما عدا الخدمة الإجبارية؟!! منها سوء التربية والإفراط في التدليل، ومنها خيبة أمل من تحقيق طموحات معينة، أو أزمة نفسية، عاطفية أو مالية وغيرها.
وانتهى هادي زاهر الى القول: والسؤال الجوهري هو: هل يجب أن نواصل دفن رؤوسنا في الرمال؟
هل يجب أن نتعامل مع الظاهرة من منطلقات غيبية شرسة؟
هل يجب أن نتعامل مع الظاهرة وكأنها قدر كافر يجب أن يدفن كالجيفة وانتهى الموضوع؟ ثم هل أفاد هجاء المنتحر بهذه القسوة، هل أدى ذلك إلى الحد من الظاهرة أو حتى تقليصها؟
هل يجب أن تبقى أدمغتنا متحجرة ومشاعرنا متخشبة، إن الإيمان السطحي والأنانية ” و “أنا خصني بيتي وبس” ستجردنا من إنسانيتنا،
أعتقد أنه آن الأوان أن نطلق سراح هذا البحث نخرج نتائجه إلى النور ونتعامل معه بموضوعية.. يجب أن ندعم بعضنا البعض ونحتضن من هو في أزمة، والكف عن التكفير وعندها يمكننا أن نحد من هذه الظاهرة التي تميزنا إلى الأسوأ.
والأهم هو أنه يجب أن نعمل على إلغاء التجنيد الإجباري ومن يريد أن يخدم في جيش الاحتلال فليفعل ذلك بقراره الشخصي، أسواه بالشباب العرب الذين يرغبون في خدمة المحتل، إن إرغام الشاب الدرزي على هذه الخدمة هي بمثابة جريمة أخلاقية كبيرة.
لقد أثارت نتيجة البحث كل الأطراف إلا الطائفة الدرزية في إسرائيل، وكانت صحيفة ً” كل الناس قد انفردت مشكورة بنشر نتائج هذا البحث.
والحقيقة يجب أن تقض مضاجع كل الشرفاء أينما كانوا..
يجب أن تكون هناك هيئات عربية وحتى دولية تساهم في معالجة هذه الظاهرة..
على شعبنا أن يولينا الاهتمام ويحتضن من يرفض الخدمة بدلًا من تخوينه وتركة فريسة للسجون وإغلاق مصادر الرزق أمامه.
وأخيرًا نحن نثني على بادرة شيخنا على أمل أن تُلاحق عمليًا عبر كافة القنوات وخاصة حلقات نقاش فكرية بين كافة الشرائح كي تقود إلى النتائج المرجوة.