بين التغافل والتجاهل – فشل السلطات المحلية العربية في مكافحة التحرش الجنسي

“ر” تعمل منذ سنوات في مجال مهني ما في السلطة المحلية في بلدتها ومسؤولة عن طاقم موظفين. مؤخرًا انضم للقسم الّذي تعمل به موظف جديد عكّر الجو اللّطيف الّذي ساد في القسم، بعد أن وجه للموظفة “ر” وموظفات أخريات ملاحظات عن لباسهن، أسئلة عن حياتهن الشخصية ولم يحافظ على مسافة مقبولة بينه وبينهن. “ر” تعلم أنه في هذه الحالة يتعين عليها التوجه للمسؤولة عن منع التحرش الجنسي في السلطة الّتي تعمل بها، إلّا أن السلطة ومثلها سلطات محلية عربية لم تعيّن مسؤولة عن منع التحرش!

منظومة منع التحرش الجنسي في مكان العمل هي، بدون شك، منظومة هامة لحماية العاملات والعاملين لخلق بيئة عمل مريحة وخاليّة من التحرشات (بالذات للنساء)، رفع الوعي في مجال التحرش الجنسي، وعند الضرورة معالجة شكاوى العاملات والعاملين.

قبل أكثر من عشرين سنة، سنّ قانون منع التحرش الجنسي-1998، وأقرت نظم استنادا إلى ذلك القانون. القانون يعرّف ما هو التحرش، ويعدد تصرفات تدخل في نطاقه، ويقرّ سلسلة واجبات على المشغل القيام بها لضمان منع التحرش والمضايقة. من ضمن هذا الواجبات على المشغّل في مكان عمل يعمل به 25 عامل فما فوق وضع نظام داخلي لمنع التحرش بحيث يحوي البنود الأساسية من قانون منع التحرش، ونشره فما مكان واضح للعيان. الأنظمة تلزم المشغل بتعيين مسؤولة عن منع التحرش تكون مهمتها تلقي الشكاوى وفحصها، ونقل توصيتها للمشغّل حول كيفية معالجة الشكاوى، ومنح استشارة وإرشادات لكافة الموظفين.

السلطات المحلية تشغّل كم كبير من العاملين (عشرات، مئات ولربما آلاف) ومن واجبها القيام بكل الواجبات القانونية الملقاة على المشغلين في قانون وأنظمة منع التحرش. لكن، وبخلاف المتوقع، فإن السلطات المحلية العربية تتلكأ وتتقاعس عن القيام بتلك الواجبات. فبموجب مسح أجرته جمعية “محامون من أجل إدارة سليمة” وجمعية “كيان – تنظيم نسوي”، تبيّن أن غالبية السلطات العربية -50 من أصل 85 – لم تعيّن مسؤولة عن منع التحرش ولم تضع نظاما داخليًا، رغم أن القانون يلزمها بذلك.

الامتناع عن تعيين مسؤولة عن منع التحرش يلغي إمكانية تقديم الشكاوى، فحصها، وتقديم توصيات ملائمة حول كيفية معالجتها. عدم وجود عنوان لشكوى العاملين، وبالتالي عدم تطبيق القانون وغياب الردع، يحولان دون منع تكرار مخالفات المضايقة التحرش. كذلك عدم وضع نظام داخلي (الّذي من المفروض أن يكون مرشدًا للموظف/ة الّذي يتعرض للتحرش) ونشره كما يجب يحول دون معرفة الموظفين لحقوقهم ويفقد منظومة منع التحرش جدواها. النتيجة لكل ذلك هي استهتار علنيّ من السلطات بالواجبات الملقاة عليها لمنع التحرش وتحييد الموضوع عن سلم أولويات السلطة.

مؤخرًا، عقب توجهنا للسلطات، تمّ تعيين ما يزيد عن أربعين مسؤولة عن منع التحرش، واليوم هذا المنصب مشغل في 75 من أصل 85 سلطة محلية عربية. كذلك الحال بالنسبة لوضع نظام داخلي لمنع التحرش وتعميمه على الموظفين.

هاتان الخطوتان هما لبنتا أساس لبناء منظومة كاملة داخل كل سلطة لمكافحة التحرش وخلق ظروف عمل لائقة، آمنة وخالية من المضايقات. هنالك حاجة بمتابعة عمل المسؤولات ومرافقتهن توجيهًا وإرشادًا لوضع خطط عمل ملائمة تسلط الضوء على منع التحرش في كل سلطة.

قيام السلطات بواجباتها لمنع التحرش غير مشروط بميزانيات أو بجهات خارجية، فالواجبات هي واجبات بسيطة. لذا كنا نتمنى على السلطات أن تكون في مقدمة الجهات الّتي تعمل على هذا الصعيد وتبث بذلك رسالة قيميّة-جماهيرية هامة حول أهمية العمل ورفع الوعي للحد من التحرش والمضايقات.

للأسف، فشل السلطات المحلية العربية في موضوع منع التحرش الجنسي هو فصل إضافي في مسلسل الخلل الإداري في السلطات. هذا الفشل، والّذي كما ذكرنا غير نابع من تمييز أو نقص ميزانيات، يقتضي مراجعة حسابات جديّة وشجاعة، وتذويت أسس الإدارة السليمة ومبدأ احترام القانون.

 

المحامية ريماز خطيب هي عضو الطاقم القانوني في جمعية “محامون من أجل إدارة سليمة”

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .