صدرت قبل فترة وجيزة للكاتب القاص ابن الناصرة ناجي ظاهر، مجموعته القصصية الجديدة، التي حملت اسم ” اعماق نصراوية “، ووقعت في 134 صفحة من الحجم المتوسط، واشتملت على عشرين قصة قصيرة، كتبت خلال السنوات الثلاثة المنصرمة، وتنشر لأول مرة، وصممت غلافها الفنانة التشكيلية أسماء زبيدات من سخنين.
وتجيء هذه المجموعة القصصية بعد ” جنة المهجرين ” الصادرة في العام المنصرم 2019.
ناجي ظاهر هو شاعر وقاص وكاتب مسرحي وصحفي عريق، له حضوره في المشهد الأدبي والثقافي الإبداعي في هذه الديار، ويحظى بمكانة مرموقة بين الأوساط الادبية، عمل جُلّ حياته محررًا أدبيًا في عدد من الصحف والمجلات المحلية. وله اكثر من خمسين مؤلفًا في الشعر والقصة والرواية والمقالة والنقد الأدبي.
وناجي كاتب متمكن من فنه القصصي، واعماله القصصية بشكل عام تعالج الإنسان في بيئته الواقعية، وتصورهما بشفافية شاعرية، وببساطة آسرة، وتتسم بصفات أسلوبية واحدة، لغة مكثفة، وجمل مقتضبة، لتكون متوترة، معبرّة ومركزة، والملاءمة بين الشكل والمضمون في علاقة متفاعلة منسجمة. ويبدو ناجي في هذه القصص كائنًا اجتماعيًا، صاحب نظرة عميقة للمجتمع، وفهمًا سياسيًا تقدميًا واعيًا، واحساسًا متألمًا في الداخل إزاء الصورة القاتمة التي يراها.
وقصص ناجي في ” اعماق نصراوية “تركز على المكان، وتدور احداثها في مدينة الناصرة، في احيائها وازقتها وحاراتها القديمة، التي ولد ونشأ وعاش طفولته واحلى أيام شبابه فيها، وما زال يقيم فيها، بعد سنوات من تهجير أهله من قريتهم ” سيرين “.
وما يميز قصص هذه المجموعة وسواها من قصصه هو تنوع مواضيعها الغزيرة، وغنى مضامينها، فهي تشمل واقعنا وتدور حول الفقر والضياع ومعاناة المثقف ووجع الناس اليومي، وذات عمق بالفكرة، ما يدل على اطلاعه وثقافته الواسعة، ونلمس فيها طاقته القوية على السرد والقص والحوار، وتصوير الواقع المعاش بفنية راقية وعالية.
وشخصياته دينامية متحركة نابضة، تنفعل وتؤثر وتتأثر بمجريات الأحداث، ولغته بنكهة الشعر، وتعبق برائحة المكان وعطر البلاد ودخان الباصات في الناصرة، وتتصف بالبساطة والسلاسة والعمق الشعبي، وتخاطب جميع الشرائح المجتمعية وتدغدغ عواطفها.
وتعتمد مجموعة ” اعماق نصراوية ” على نهج سردي يقارب الأسلوب الروائي، فناجي يعمد ويلجأ إلى تعزيز الحدث والسير باتجاه توسعة مساحته زمنيًا ومكانيًا، وتوسيع العلاقات بين شخوص قصصه والربط بين الاحداث والذكريات، وخلق وبناء شخصيات تراكمية، ويراوح فيها بين استرداد التاريخ، وبين الماضي والحاضر، وتوظيف الصور الفنية في انتاج لغة فنية قصصية شائقة ومدهشة.
وتبقى ” اعماق نصراوية ” إضافة جديدة نوعية لإبداع ناجي ظاهر القصصي السردي، الذي يستحق الدراسة والاهتمام من النقاد والباحثين والدارسين والمهتمين بالأدب، مع خالص التحية وأطيب الامنيات له صديقًا ومبدعًا.