نجمة الرقاويّة، مخدّرات واغتصاب، هكذا يتصرّف الدواعش

تمسح أنفها بشكل متواصل، وتلتهم كميات كبيرة من المسكنات وحبوب الصداع في محاولة معالجة نفسها من إدمان المخدرات التي أجبرها، كما تقول، زوجها المهاجر البلجيكي التونسي الأصل “أبو تراب البلجيكي” والذي أجبرت على الزواج به قبل سنة وشهرين.

اسمها “نجمة” وتصر على أن أذكر اسمها الحقيقي، ولكنها تتحفظ على اسم عائلتها. تروي حكايتها بل هي حكاية الكثير من بنات الرقة.

.02

جاري الداعشي “أبو تراب” والزواج بالإكراه

“سكنَ بالبناء الذي نسكن فيه أنا وأبي وأمي وابن اختي يتيم الأبوين ذو الأعوام التسعة في بيت بالطابق الأرضي وهو لـ “ماهر” جاري وحبي الأول الذي أعدمه التنظيم في أحد أقبيته بتهمة الردة على ما قالوا لوالدته عندما صادروا المنزل”.

في البداية لم نشعر بوجوده عند دخولنا وخروجنا القليل جدا، ولكن بعد أكثر من شهر بدأ بالتعرف على الجيران حيث يوقفهم على باب البناية أو عند خروج والدي وبقية الجيران للصلاة في جامع الشهداء “جامع القطار”. توالت الأيام عندما جاء لزيارة والدي في أحد الأمسيات نهاية شهر تشرين الثاني 2014. كانت لهجته مسلّية عندما كان يقلّده ابن اختي، بل كنا نسترق السمع أنا وأمي من باب الفضول لنعرف كيف يتحدث عناصر التنظيم، يشدّنا إلى هذه العادة غرابة اللهجة التي نسمعها لأول مرة لايف” حيث تختلط العربية المغاربية والفرنسية وبعض الكلمات بلهجتنا “الشاوية”، والتي واضح أنه تعلمها حديثا حيث ينطقها أيضا بطريقة مضحكة.

كثرت زياراته لوالدي الذي كان يبدي تذمره الدائم منها، ولكن والدتي بطيبة قلبها كانت تقنعه بأنه مسكين ووحداني ولكن الأيام أثبتت غير ذلك. عندما جاء لزيارتنا خاطبا صدّه والدي وادعى أنني مخطوبة لابن عمي الذي يعمل في لبنان وسيعود قريبا ليتزوجني، ولكن “أبو تراب” سرعان ما اكتشف عدم وجود هذا الخطيب المفترض، عرف ذلك من الثرثارين الكثر في الحارة والذين أزادوه عن علاقتي بـ”ماهر” وهو الأمر الذي أعتقد أنه خلق عنده تحديا ترجمه إلى زيادة الضغط على والدي إلى حد أن قام باعتقال والدي لمدة ثلاثة أيام ثم أفرج عنه وأوصله بسيارته للبيت ثم عاد ومعه أكثر من خمسة أشخاص منهم “أبو خالد” قريبنا الذي انضم للتنظيم. كان أبي مسلوب الإرادة لم يتكلم ولا كلمة بل لم يستطع الجلوس حيث كان كل جزء من جسمه يؤلمه بسبب التعذيب الذي أذاقوه إياه في “النقطة 11″، سلّموه مهري وقرؤوا عقد قران شفهي.

لم تنفع توسلات أمي أن يؤجل الزفاف يوما أو يومين، كانت تستنجد بنظراتها بأبي الذي كان نظره مطرقا على الأرض ولم ينبس ببنت شفة.

“لا أريد أن أرى أبي هكذا مكسورا ومحطما، فليكن ما يكون طلبت أن أراه كوني أصبحت كما يقولون زوجته، جاء هو وقريبي ولكنني طلبت رؤيته وحده مع أمي التي أرادت حتى تقبيل قدميه ولكنني منعتها، قلت له أنني معذورة بعذر شرعي ككل النساء وعدة أيام سأكون جاهزة ولكنه لم يقبل وقال: لا يهم هناك في بيتك تكملين ما أنت عليه. لم تترك أمي دعاء تعرفه حتى أنني استغربت نوعية الكلام الذي استخدمته وخفت عليها منهم، ولكن لم ينفع كل ذلك بحلمها وأنا ألبس فستاني الأبيض، بل خرجت في جنح ذات ليل مكللة بالسواد وبدل رفيقاتي وقريباتي كان هناك رجال جلّهم ملثمون ومن كان كاشف الوجه له لحية وديكور يشبه رجال الكهوف”.

انتقلت من الطابق الثالث إلى الطابق الأرضي، رجوته كثيرا لكنه لم يكن آدميا، كان وحشا، لم ينفع عذري الشرعي فقد كانت فتاواه جاهزة وأنا أتلو له آيات من القرآن وهو يستهزأ بي وبأهل الرقة أننا لا نعرف الإسلام وهم جاؤوا من آخر الدنيا من أجل الدفاع عن أعراضنا وليعلموننا الدين الصحيح، وعندما قرأت له الآية القرآنية “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ”.

رد علي بأحاديث وفتاوى لم أسمع بها من قبل وأنا اعتبر نفسي متمكنة من حفظ الكثير من الأحاديث وأجزاء من القرآن وذلك بحكم تربيتي المتدينة من جهة وأيضا بحكم دراستي التي توقفت في سنتها الجامعية الثانية في كلية الآداب قسم اللغة العربية. برر لنفسه ما ينوي فعله أيضا بتفاسير لآيات حرّف تفسيرها كما أراد وبدأ يقترب مني بطريقة حيوانية كثور هائج: “نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ”.

لم تزد حرفا وهي تلتهم حبات من مسكن “البروفين” التي لم أستطع حتى نصحها بأن الجرعة كبيرة، لم يتنفس أحد منا أنا وأمها التي كفكفت دموعها وهي تسكب الشاي بيد مرتجفة أراقت على الأرض أكثر مما سكبت في كؤوسنا، مددت يدي محاولا أن أسكب عنها ولكنها قالت هو نوع من العلاج.

غرفة سرية .. اغتصاب يومي ومخدرات

“يومين، ثلاثة أيام من اغتصاب الروح، فالجسد لم يعد له قيمة لحظة أن وضع يده علي، وفي اليوم الرابع أخذني إلى بلدة “القائم” العراقية. ثلاثة أشهر مرت ولا أعرف طبيعة عمله فهو يأتي إلى البيت ليبدل ثيابه ويغتصبني ويتعاطى المخدرات ويجبرني أن أفعل ذلك أيضا ثم يذهب ولا يأتي إلا متأخرا، ثم يعاود الذهاب مبكرا في صباح اليوم التالي.

بعدها حوّل البيت إلى مركز عمل، كان هناك في غرفة خاصة الكثير من الأجهزة والأسلاك التي تمتد خارج البيت مئات الأمتار حيث تُربط هناك على سواري عالية، يقضي وقتا طويلا برفقة شخص أو اثنين غالبية الأوقات في تلك الغرفة؛ التي يمنع عليّ دخولها.

استمر الحال هكذا حتى أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2015، حيث عدنا إلى الرقة ولكن ليس إلى بيتنا الأول، هذه المرة في “حي الثكنة”. أوصلني بعد يومين إلى بيت أهلي، الذين لم أرهم طوال عشرة أشهر وكانوا يعتقدون أنني ميتة، تركني ثمانية أيام قبل أن يأتي ويأخذني وهناك عرفت أنه جهّز غرفة كغرفته في “القائم” التي لا أعلم ما يفعل بها، وهنا طلبت منه أن يسمح لوالدي ووالدتي وابن أختي بزيارتي كل حين فوافق. وهكذا كان، اعتدت عليه بحكم العيش معا وكانت تسليتي الوحيدة هي “المخدرات”.

ذات يوم طلب مني والدي ورقة تخوّله السفر إلى حلب لقضاء بعض أعماله، فاستخرج له إذن سفر دائم ليحق له السفر به في كل أنحاء سيطرة التنظيم.

تزوج “مقاتلة تونسية” كان زوجها التونسي أيضا قد قتل قبل فترة في مدينة “الطبقة”، ولكنني لم أرها ولا مرة فهي عندها بيت من زوجها السابق، كان يقضي أغلب الأيام في بيتي بحكم غرفته السرية.

قتل وإدمان .. وهروب من الرقة

في منتصف تشرين الثاني، كان والدي بزيارة لي وتحدثت له عن الغرفة من جملة الأحاديث التي كنا نتداولها، وبينما أعد له طعام الغداء دفع الفضول والدي إلى نهاية الممر حيث تلك الغرفة، وما إن فتح الباب حتى كان “أبو التراب” في مدخل الشقة ورأى والدي بباب الغرفة التي لم يدخلها أصلا، جن جنونه فكبل والدي ونادى بقبضته اللاسلكية على عنصر ليأتي ويأخذه. حاولت وأقسمت أن والدي أخطأ بالباب فهو كان ينوي الذهاب إلى “الحمّام” لكنه ضرب بتوسلاتي عرض الحائط وكبّلني أيضا إلى “شوفاج” التدفئة وأغلق الباب عليّ.

عاد عند المساء دون والدي، حقق معي .. عذّبني ضربني في كل مكان في جسدي، ماذا كان والدي يفعل في الغرفة؟!.

وبقي هكذا حتى الصباح وأنا مربوطة، ألبسني ثيابي وأخذني الى الشقة الواقعة في بناية أهلي: “إذا كنت تريدين أبوك لا تتنفسي خارج الشقه ولا أريد أن يعرف أي أحد من أهلك أنك هنا حتى أعود”، وعندما سألته عن والدي قال أنه سيعود به بعد يومين أو ثلاثة وهو بخير.

كخفاش يعيش الظلمة كنت أعيش، الستائر الداكنة مسدلة وممنوع عليّ فتحها، أمي وابن اختي على بعد أمتار مني ولا أستطيع رؤيتهما. انتهت المهلة وأقنعني أن والدي عاد إلى البيت وأنني إن كنت أريد له الخير وأريد رؤيته فعليّ تحمّل هذا الوضع عدة أيام أخرى وبعدها سأذهب لرؤيته.

تحملت أياما لا أعرف ليلها من نهارها، ثم في جنح ليل سافرنا مرة أخرى إلى “القائم” لمدة عشرين يوما وعدنا إلى الرقة. وما إن وصلنا طلبت منه زيارة أهلي فوافق بعد أن يرتاح من السفر، وكطقوسه اليومية “مخدرات ثم اغتصاب ثم مخدرات أخرى”، عندها أخرج هاتفه الجوال وقال: “والدك أرسل لك رسالة وشغل مقطع الفيديو حيث يقوم هو بإطلاق رصاصة بين عيني والدي”.

لك أن تتخيل، لا .. لا يمكن أن يتخيل أحد ذلك، كان يضحك “والدك مرتد كافر، والدك جاسوس” كان يضحك وهو يراقب ردات فعلي “رح تشوفي أبوك بالنار، يللا جهزي حالك خلاص رح تزوري أمك بكرة”.

نام، هكذا ببساطة نام. وببساطة أيضا أخرجت مسدسه ووضعت ماسورته بين عينيه، أغمضت عيني وضغطت أربع مرات، استخدمت جواز مرور المرحوم  أبي الذي استخرجه له “أبو التراب” وها أنا ذا ووالدتي وابن اختي اليتيم، علمت أنهم بعد ثلاثة أيام وجدوا جثته.

تحاول نجمة التخلص من الإدمان، وقد نجحت بشكل كبير ودون مشافي أو أطباء وتحاول أمها اليوم أن تتجاوز ظلام التجربة المرعبة.

منقول عن تلفزيون الآن

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .