مسافة حُلمي نصف ساعة..// عرين اسامة مخول – البقيعة المرج

1

لم أكن أُدرك أنّي آتية إلى عالمٍ فقير، محدود، مفعم بالشّقاء والأوهام والبؤس الاجتماعي المُذلّ..

لم أكن أُدرك أنّي آتية إلى عالمٍ يقف أمام طبيعة وجودي وينوي أنّ أغيب عن الوعي المأساوي القاتل للقدرات، القاتل للمعنويات، القاتل للإنسانيّة…

لم أكن أُدرك أنّي آتية الى كوكب تملأه الحروب، وتحيطه بدلًا من طبقة الأوزون طبقة من الدّماء.

لم أكن أُدرك أنّهم سيسجنونني ويطوّقونني ويجبرونني أن أعيش واقعًا أسودَ مفجوعًا..

لو كنت أُدرك كلّ هذا، لجحدتُ قريتي ودولتي وكوكبي وكوني.. وأبيت أن آتي!

أحيانًا في أوقات معيّنة وفي مراحل معيّنة من حياتنا نشعر أنّنا نملك الكثير، نعم نملك الكثير ولكنّنا في نفس الوقت ينقصنا الكثير… منذ لحظة ولادتنا وفي فترة الطّفولة، تلك الأيّام التي يكون كلّ واحد أو واحدة فينا ملكًا أو ملكةً، نتقلّد فيها تيجان الزّهو البيتيّ والبيئيّ، نكون نحن الأشخاص الجدد، نُدلَّل ويعطى لنا كلّ ما تشتهيه أعيننا…

وعند بداية مرحلة البُلوغ والتّطوّر الجسديّ والعقليّ، تبدأ أعيننا برؤية الأمور التي حولنا بنظرة مختلفة تمامًا، نبدأ ببلورة أفكار ومعتقدات خاصّة، وبالوراثة نكتسب أمورًا جانبيّة طبعًا. على هذا النّحو تكون بداية انبعاث إنسان بالغ ينطلق الى الحياة ليحقّق كلّ ما يحلم به، وهو الوضع الطّبيعيّ المتوقّع في جميع أنحاء العالم… فهذه طبيعة تطوّر الإنسان… لكنّه عند نقطة انطلاق الإنسان الى الحياة التي يحلم بها، تختلف الحالات من حالة إلى أخرى.

فكلّ إنسان من أبناء وبنات جيلي، ممّن بلغ الرّبيع السّابع عشر من عمره، لديه الأحلام التي يجعل منها فيلمًا سينمائيًّا ينتظر الوقت الملائم لتحقيقه… أمّا أنا… حلمي أنا… لا يتحقّق في دولة مثل دولتي للأسف…

ممكن أنّ يتحقّق في دولة تبعد عن قريتي نصف ساعة ولكنّي عاجزة للوصول إليها، فتفصل بيني وبينها حدود حديديّة لا أستطيع تجاوزها! نصفُ ساعةٍ… مسافة حلمي أنا… نصفُ ساعةٍ!

فمن المعروف لدى كلّ إنسان أنّ من حقّه أن يعيش الحياة التي يرسمها، ويحقّق الأحلام التي يختارها. ومن حقّي أنا أيضًا، من حقّي أن أكون أنا، إنسانًا مستقلًّا استقلالًا تامًّا عن المسموح والممنوع، ما دمتُ ضمن حدودي الإنسانيّة… من حقّي أن أكون ذاتي، أن أفعل ما أشاء وفي أيّ وقت أشاء، بعيدًا عن الحدود، بعيدًا عن الحواجز والقيود، بعيدًا عن الحروب، بعيدًا عن الدّماء، بعيدًا عن التّحكّم البشريّ القتّال، بعيدًا عن كلّ ما يقف في وجهي وفي وجه أيّ مسجون مثلي!

يحقّ لي أن أكون جزءًا من الوجود الإنسانيّ، يحقّ لي أن أعشق حلمًا وأرسمه بريشة الواقع، يحقّ لي أن أبني كيانًا خاصًّا ثابتًا، يحقّ لي أنّ أمنح عطاء الحياة المولود معي في داخلي، يحقّ لي نفي كلّ الأنظمة التي تقف عائقًا قامعًا بيني وبين وجودي الإنسانيّ على الأرض، يحقّ لي أن أُمارس إنسانيّتي… والإنسانيّة لا حدود لها…

من حقّي أنا كإنسانٍ… أن أرفض الاستسلام.

من حقّي أنا كإنسانٍ… أن أرفض التّنازل.

من حقّي أنا كإنسانٍ أن أرفض الهزيمة.

من حقّي أنا كإنسانٍ أن أرفض الخُضوع.

من حقّي أنا كإنسانٍ التّطلّع الى الانعتاق من العبوديّة التي تعتبرها السّلطات العُليا عبوديّة أزليّة أبديّة لا مفرّ منها.

من حقّي أنا كإنسانٍ التّسامي على وضاعة الحياة والتّحرّر إلى دروب السّيرورة الحياتيّة الحقيقيّة.

فليس من حقّ أحدٍ، مهما كان منصبه السّياسيّ وسلطانه الدّنياويّ أن يمنعني من تحقيق حلم بسيط يبعد عنّي نصف ساعة… وليس من حقّ أحدٍ أن يَسلُبَني نصف ساعة ويسجنني في سجن الـ48!

ليس من حقّ أحدٍ أن يستغلّ القضايا الإرهابيّة ويمنعنني من أن أكون حاضرة بكامل قواي النّفسيّة والرّوحيّة والإنسانيّة، حاضرة داخل قانون السّيرورة الحياتيّة الذي لا يعرف لونًا ولا يعرف دينًا ولا يعرف جنسًا ولا يعرف معتقدًا… فهو لا يتعرّف إلينا إلّا على أنّنا أبناء الحياة… يحقّ لنا أن نكون أبناءَها… نعيش فيها… ونحقّق حلمًا يبعد عنّا… نصف ساعة…

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .