لذكرى المرحوم الاستاذ نعيم مخول (ابو مكرّم) ـ بقلم: د.حاتم عيد خوري

نعيم مخول يلقي كلمته

بمناسبة مرور سنة على وفاته

كثيرا ما سمعتُ ايام الصبا، المرحوم والدي يردّد إسمَ نعيم مخول واصفا إيّاه بأنه شابٌ فصيح يطيب لك الاستماع اليه، جريءٌ تعْجبُ لشجاعته، مستقيمٌ لا يقبل “المايله”… كما سمعتُ عن نعيم مخول، إبّان فترة دراستي الثانوية في كلية تراسانطه في الناصرة، يوم كان هو معلما لامعا في مدرسة تراسانطه في يافا. سمعتُ عن مكانته المرموقة ومواقفه النزيهة وتحديه الجريء لسلطة إدارية قامعة….واعجبْتُ به يوم تعرفتُ عليه ورأيتُ به رجلَ مجتمعٍ يأسرك بلطف حديثه، سيدَ منابرٍ يشدّك للاستماع اليه، كاتبا لبقا يُحسن نقل افكاره وآرائه، فلاحا شريفا يعصر ترابَ الجليل خبزَ شرفٍ وكرامة، ومناضلا عنيدا إخترقت إرادتُه حاجزَ سلطةٍ غاشمةٍ أرادت اقتلاع بيته كما اقتلعت اكثر من 400 قرية فلسطينية، لكنّ إرادتَها تحطّمت على صخرة إصرار نعيم مخول. فبقيَ هذا البيت شامخا متجذرا في ارض مرج البقيعة، شاهدا على صدق مقولة “لا يضيع حقّ وراءه مُطالب” ومُشـكِّلا الكلمـة َ الاولى في كتابٍ خالدٍ يستحقُّ ان نسميه  “سيرة صيرورة  القرية العربية الوحيدة التي اقيمت بعد نكبة الاقتلاع”.

أجل سمعتُ عنه وتعرفتُ عليه، لكني عرفتُه معرفة حقيقية، فقط من خلال نضالنا المشترك في “جمعية ابناء ابرشية الجليل”. كان ابو مكرّم اكبرنا سنّا. بتجربتِهِ أثرانا وبحكمتِهِ عزّز إتزاننا وبإصراره حالَ دون يأسنا وقنوطنا، وبرؤيته الثاقبة جعلنا نستشرف مستقبلَ عملِنا مع قيادةٍ كنسيةٍ إنْ وعدتْ  فوعودُها غيمـة ُ صيفٍ لا خراج لها، وإنْ تعهّدتْ فتواقيعُها على رملٍ يذروه الهواءُ وتجرفه المياه.

شخصية ابي المكرّم تركت بصماتِها في نفسي، وخصاله الطيبة كانت ملهمتي عندما كتبتُ سنة 1993، وكنّا آنذاك في عزّ نضال جمعية ابناء ابرشية الجليل، مقالا مستفيضا بعنوان “الناس أجناس” أقتطف منه الفقرات الاربع التالية:

*هنالك اناس كلامهم ينقصه العمل المميز وعزائمُهم تخورُ عندما يطول المشوار ، وهنالك اناس آخرون عملهم مميّز دونما كلام وعزائمُهم تشحذها كلُ خطوة يخطونها على الطريق القويم.

*هنالك اناس حناجرهم والسنتهم  كأنها خُلقت لتلهج بتمجيد “السلطان” المسؤول ومهما كانت مسؤوليته، وهنالك اناس آخرون السنتُهم هي امتدادٌ اصيلٌ لضمائرهم الحيّة ولنفوسهم الابية، تتغنى بالصدق والامانة كقيثارة، وتلسعُ الكذبَ والنفاق والسرقة والخيانة كسوطٍ  يُلهب ظهرَ حصانٍ يجرّ العربة الى الهاوية.

*هنالك اناس يرون الخطأ بامّ أعينهم فيُغمضون عيونهم تجاهلا وتخاذلا، وهناك اناس آخرون يرون ان عيونهم أجدرُ بها أن تُقلع إنْ لم تحملق بالخطأ سعيا وتمهيدا لإقتلاعه.

*هنالك اناس ينادون بالتكتم على اعمال السوء المستمرة خوفا، كما يدعون، من الفضيحة امام الناس، وهنالك اناس آخرون يعتبرون أن مثل هذا التكتم المُفتعَل هو الفضيحة بعينها.

لم يكن ابو مكرم مجرّد واحدٍ فقط من اولئك الناس الآخرين الطيبين، إنما كان موحِّدا ومُجسّدا بشخصِهِ الكريم، كلَ اولئك الناس الآخرين الطيبين. رحمَه اللهُ رحمة واسعة.

Hatimkhoury1@gmail.com

hatim photo 2

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .