عريس ميعار ـ بقلم محمد علي طه

1

سألني صديق عزيز يحبّ الأدب ويعشق التّراث ويحرص على تدوين القصص والطّرائف والأحداث والأخبار التي عاشها وتناقلها أهل بلدته العامرة عن قصّة المثل الفلسطينيّ “مثل عريس ميعار” وحثّني على كتابتها، فأعادني سؤاله إلى أواخر سنوات الخمسين من القرن الماضي عندما زرت بلدة الطّيّبة في المثلث “متسللا” بدون تصريح من الحاكم العسكريّ، وفي أثناء السّهرة في بيت مضيفي سمعت شابّا يداعب آخر قائلا: “قاعد مثل عريس ميعار” فتعجّبت من شهرة عريس بلدتي التي تخطّت الحواجز العسكريّة والسّهول والجبال والوديان ووصلت إلى طيّبة بني صعب.
كان يا مكان. كان من عادة أهل قريتنا ميعار، قبل النّكبة، أن يزفّوا عريسهم من بيته إلى ميدان في الجّهة الغربيّة للقرية يطلّ على السّهل السّاحليّ غربًا وعلى رأس الكرمل جنوبًا وعلى رأس النّاقورة شمالا وهم يهزجون بأصوات جبليّة:
          نادي يا مير العرب عَ الخيل والخيّاله
          عريسنا يا أسمر يا بو زيد الهلالي
فيما تسير الصّبايا والنّساء وراءهم وهنّ يسحجنّ ويغنّينّ:
          احنا نوينا عَ الفرح   يا ناس صلّوا عَ النّبي
وحينما يصلون إلى الميدان الواسع يجلس العريس على صخرة ملساء عالية كأنّ الطّبيعة أبدعتها لهذا الغرض.
وحدث أن مرّ رجل غريب عائد من المدينة إلى الشّاغور وشاهد “المياعرة” يرقصون ويدبكون ويغنّون ويتسابقون بخيولهم فيما العريس جالس على الصّخرة الصّلبة مهيبًا رزينًا وقورًا جادًّا كأنّه أبو زيد أو ذياب أو عنترة، لا يتكلّم ولا يبتسم ولا يتحرّك فتعجّب من ذلك وروى ما شاهده لأهل بلدته.. وشاع الخبر ” مثل عريس ميعار!”
وفي رواية أخرى، وهي الأرجح كما أظنّ، أن المياعرة بعد أن أخذوا العريس إلى الميدان دبكوا ورقصوا وغنّوا وتسابقوا وفاز من فاز منهم، جاءوا بفرس أصيل مزركشة ومزيّنة فامتطاها العريس.. و بدأت الزّفة وسار “صفّ السّحجة” أمام العريس يقوده الحاديّ: ” طلع الزّين من الحمام” والنّساء يغنّين “جينا وجينا وجبنا العريس وجينا”.
 وحدث بعد دقائق أن تشاجر شابّان على أمر تافه كالعادة فتحوّل شجارهما إلى طوشة عموميّة شارك فيها كلّ من حضر الزّفاف.. واستمرّ الشّجار ساعةً بل أكثر حتّى علم به أهل بلدة سخنين المجاورة، فجاء رجالهم النّشامى وأعادوا الهدوء والأمن والوفاق.
 وهنا صاح رجل ميعاريّ: “عريسكم يا شباب !!”
فعاد الرّجال والنّساء إلى المكان الذي بدأ فيه الشّجار فوجدوا العريس مازال ممتطيا الفرس الأصيل، مرتديًا عباءته وهيبته ووقاره، والفرس واقف مكانه لم يتقدّم ولم يتأخر وكأن شيئًا لم يحدث!!
وغنّت النّساء عندئذ:
            هاتوا لنا هالعريس تنشوف حلاتو
            تنشوف سمار وجهه عَ لون صفاتو
            تسعد يا العريس ما أكثر خواتو
            ما أكثر بنات عمّو وما أكثر قراباتو
وطبعًا يا خَيّا: مثل عريس ميعار!!

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .