جريمتنا نحو المرأة!

2014-1401041629039KNc_317135872

عندما نبلغ سن الستين نجد إحساسا آخرا نحو الأشياء والناس، كما نحس مشاعر أخرى للمروءة والإنسانية والشرف أكثر مما كنا نحس قبلا، وبعبارة أخرى نجد أن لنا من القيم والأوزان ما يمكن أن نسميه حِكمْ.

وهذه الحكمة إنما هي ثمرة هذا العمر الطويل، وما مرّ بنا من الأحداث، وما كسبنا من التأمل والتفكير فيها، وما وقع بنا من كوارث استخلصنا منها الدلالات والعبر، ذلك أننا نعيش في مجتمع نصطدم بناسه ومصالحه ومؤسساته ونمارس فيه مصاعب العيش، ونتحمل مسؤوليات الحرفة، وبها نتعلم ونتربى.

وليس التعلم والتربية أن نتتلمذ في المدرسة أو نقضي ستة سنوات في الجامعة، لأن قصارى ما نحصل عليه في المدرسة والجامعة لا يتعدى أن يكون تعلما وهو تعليم للمعرفة أي أنه ليس تربية للسلوك المطلوب أوالتصرف اللائق اللذان يعينان الفرد على النجاح في الحياة.

وتستطيع أن تسأل أي إنسان في الخمسين من عمره من خريجي الجامعات، كيف كان فور خروجه من الجامعة وحصوله على شهادتها؟

كان إنسانا خاما وكان يصطدم بالمجتمع مرة بعد أخرى لجهله، ولكنه كان يتربّى من هذه الاصطدامات، وهو يخبرك بما كسب من حكمة وسداد، وصحة للنفس، واتجاه حسن، إنما كسبه من المجتمع وليس من الجامعة، فالمجتمع يربينا ويكوّن شخصيتنا ويعين أهدافنا ومنه نأخذ الميزان الذي نزن به القيم فنقول: هذا فضيلة وهذا رذيلة.

واختلاطنا بالمجتمع يحملنا على الاهتمام بالسياسة والعلم والأدب لأننا نجد ان حياتنا متصلة بكل هذه الاشياء لأتصالنا بالمجتمع. ما الذي نعني حين نقول: أنه يجب أن تكون لنا أهدافا إنسانية؟ نعني أننا يجب أن نهتم بالعدل والكرامة والسلم والسياسة، ويجب أن نقرأ الجرائد لهذا السبب. ومرجع هذه الاهتمامات جميعها اننا من المجتمع وفي المجتمع لنا عواطف ونختلط به ونحترف فيه حرفة منتجة أي لنا إحساس اجتماعي.

فإذا حرمنا إنسانا الاختلاط بالمجتمع فإننا بذلك نحرمه الإحساس الاجتماعي، بكل ما يحمل هذا الإحساس من مسؤولية أخلاقية قوامها الفضيلة والشرف والإنسانية.

وهذا هو حال المرأة في معظم أرجاء الوطن العربي الكبير كما تُعامل في الوقت الحاضر. فالرجل يفرض عليها الانفصال من المجتمع بالبقاء في البيت، فكأن زوجها يعيش في الصحراء. صحيح أنها لم تبلغ مبلغه في الانفراد لأنها تحس شيئا من المسؤولية بقوة الخدمة والاختلاط مع زوجها وأبنائها في البيت، لكن إحساسها هذا ناقص، إذ هو محدد بجدران البيت ولذلك لا تحس ما نحسّه نحن الرجال من يقظة الفكر والقيم الاجتماعية.

ما هي هذه الدنيا التي نحيا فيها سبعين سنة أو أكثر؟

هي المعارف التي تنبه ذكائنا وهي الأحداث التي تزيدنا حكمة وهي المباهج التي تفرحنا ونحن أطفال ثم شبان ثم كهول ثم شيوخ وليس من حق أحد أن يحرمنا هذه الاستمتاعات، سواء في ذلك الرجال والنساء، فإذا كنا نقول أنه على الرجل أن يكون حكيما فإننا يجب أن نقول أنه يجب أن تكون المرأة حكيمة.

وهي لن تكون حكيمة إذا حرمناها معارف الحياة واختباراتها سواء منها ما يسر وما يؤلم، ونحن ننقص إنسانيتها بالقدر الذي ننقص به معارفها واختباراتها.

هناك آلاف الجهلاء من الأزواج الذين يدعون أنهم يحمون المرأة وهم يخفون كذبهم بالكلمات المبهرجة، ويتضح هذا الكذب في الإحساس حين نعرف أن مشاق البيت للمرأة أكثر من مشاق الحرفة للرجل، فإن أعمال البيت وإدارته ليس من الأعمال الخفيفة.

والواقع أن أعظم ما يؤخر المرأة العربية في عصرنا هو التقاليد، هذه التقاليد التي جعلت الزمخشري يقول في كتابه (غريب الحديث): إن المرأة مبغوضة اذا مست شيئا أفسدته. هذه الفكرة عن الأرملة قد عمّت الأمم القديمة وبلغت أوجها من الخسة والدناءة البشرية في الهند حين كانت الأرملة تحرق عقب وفاة زوجها.

وقصارى ما أقول أن معظمنا يعامل المرأة بحكم التعاليم السحرية القديمة، كان الأسلاف يمارسونها قبل عشرة ألاف سنة. إنهم كانوا يقولون عنها أنها نجسة، والهدف غير شريف وهو استبعادها عن النشاط الاجتماعي والثقافي والإنساني.

فنحن الرجال نحيا في المجتمع وهو بيتنا الكبير بكل مركباته التي تثير أذهاننا وتربينا وتحركنا الى التضحية والعظمة، هو مدرستنا هو جامعتنا، أما هي فتحيا في البيت ولا تزعم أن في البيت سعادتها، وإني شخصيا لا أحترم المرأة لأنها جميلة سعيدة ولكن لأنها حكيمة رشيدة، وهذا على فرض أن السعادة تغمر البيوت لأن الواقع غير ذلك وهو ما يخبرك به كل زوج.

ولكن مشكلة البيت لا تعود مشكلة إذا نحن نظرنا للمرأة نظرة المساواة بالرجل بحيث تتعلم مثله وتكوّن شخصيتها مثله وتحترف إذا شاءت مثله وتدرس وتختبر حتى تتربى وتتطور مثله وتشترك في وظائف الدولة مثله، ومقامها الجديد هذا هو الذي يعين طراز البيت الذي تعيش فيه بحيث يتفق واهتماماتها الأخرى، فقد عممت القوة الكهربائية جميع أعمال البيت من طبخ وغسل وكنس وتبريد، فلا يكون هناك المشاق ما يحتاج الى أن تقصر الزوجة حياتها على المنزل.

إننا نجرم في حق المرأة حين نقيد إرادتها وحقوقها ونحرمها ألوانا من النشاط الفكري يمكن لها أن تؤديه. كل ذلك محض استبداد وثقل التقاليد.

* مقتبس من كتاب المرأة ليست لعبة الرجل لمؤلفه سلامه موسى.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .