القيت في حفل تكريم الذكرى الثانية للمرحوم الشيخ الدكتور سامي مكارم

 

البقيعة 13/9/2014

فايز عزام

القضايا التي أشغلت بال الشيخ الدكتور سامي مكارم

يسم الله الرحمن الرحيم ومساء الخير.

اشكر الداعين والمدعوين والمساهمين الموجودين والغائبين. فان المرحوم الدكتور سامي يستحق ان يقام له تكريم فان له فضلا عميما وخيرا كثيرا على الطائفة والمجتمع.

كان الشيخ الدكتور سامي شخصا قلقا. يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه شخصيات قلقة في الإسلام وذكر منهم سيدنا سلمان الفارسي ع قال: إن القلقين هم الأولياء والفلاسفة والمفكرون والمصلحون والشعراء والأدباء والفنانون. والدكتور سامي كان كلهم جميعا في شخص واحد.

كان فيلسوفا في فهم عقيدة التوحيد والمذاهب الباطنية والطرق الصوفية. وكان شاعرا وأديبا وكان فنانا: رساما وخطاطا. وأقول عن قناعة وإيمان انه كان وليا. وليا في سدق اللسان وحفظ الإخوان وتوحيد الخالق الديان. وجاء في الحديث الشريف إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم. ان الله جل جلاله يعلم بما تخفي الصور اما نحن البشر فنرى الاعنال ومن كانت موازين أعماله في خدمة الطائفة والمجتمع والحق والحقيقة تعادل موازين أعمال الدكتور سامي كان وليا.

كل منا قلق على موضوع ومشغول بقضية. وتختلف انواع ودرجات القلق والهموم. فواحد قلق على نفسه او عياله او عمله او ماله. وآخر على طائفته او دولته او البشرية جمعاء. يفكر ويعمل على إيجاد حلول لها.  

أما فقيدنا الراحل فكان قلقا على مصير الطائفة الدرزية ومنشغل بها ومنصرف لدراسة أوضاعها وكشف أوجاعها ووضع الدواء الناجع لها.

عرفته من خلال كتابه أضواء على مذهب التوحيد  الدرزية الذي قدم له المرحوم كمال جنبلاط وصدر سنة 1966. ومنذ ذلك الحين نذر نفسه لخدمة الطائفة قولا وعملا في جميع المجالات دينية وثقافية وسياسية واجتماعية وعلمية بتأليف الكتب وكتابة المقالات وإلقاء المحاضرات في المؤتمرات في الداخل والخارج وفي لغات متعددة.

فتح بكتاباته وأقوالِه أمام الجيل الجديد والمثقفين ورجال الدين مجالات علم ومعرفة للغوص في الروحانيات وسبر دقائق المعرفة الدينية الحقيقة. وكان منفتحا على العلم الحديث وعلى العالم مع دراية واسعة بتاريخ الدعوة ومفاهيم الدين والتاريخ العام وتاريخ الأديان والفكر الإسلامي والفاطمي والإسماعيلي والصوفي.

كان يرى نفسه مصلحا اجتماعيا ومناضلا وطلائعيا في كل عمل يخدم الطائفة الدرزية. كان عضوا فعالا ومؤسسا في كل عمل درزي يخدم الدروز فكان من مؤسسي المجلس الدرزي للبحوث والإنماء، ومؤسسة التراث الدرزي، ومن منظمي المؤتمر العالمي الأول لمندوبي الجاليات الدرزية عام 1980 .

ولما تيسر لنا زيارة لبنان تمنيت لقاءه والتعرف عليه والاستفادة من علمه والنهل من منبعه. وتحقق أملي عندما زرته مع زملائي المفتشين في التعليم الدرزي. برفقة الدكتور ابو الأمين سلمان فلاح مدير المعارف الدرزية آنذاك والذي كان له علاقات سابقة معه وكان قد أهداه كتب التراث الدرزي الذي ابدي إعجابه بها وشجع على تقوية هذا النهج،  فاستقبلنا دون معرفة وفتح لنا بيته وبتنا عنده دون أن ننام فكيف نضيع دقيقة من غير أن ننهل من بحر هذا العالم. ومنذ ذلك الحين صرت أتتبع إصداراته لارتشف منها عطر التوحيد.

وشاء القدر ان نلتقي معه في الأردن أولا وثانيا وثالثا. وفي كل مرة يفيض نبعه من جديد بمعلومات تتدفق منه معرفةٌ واسعة وفهم عميق وإيمان راسخ لعقيدة التوحيد واحترام لشيوخ الدين. فلا يذكر الله إلا مع اسم الجلالة ولا نبيا إلا مع الصلاة عليه ولا وليا إلا مع رضوان الله عليه ولا شيخا إلا والترحم عليه.

وأحسست في هذه اللقاءات القلق والهم الذي يشغله والمهمات التي أخذها على عاتقه  وكلف نفسه بها، وشعرت بحبه لأبناء الطائفة أينما كانوا.

قلق على أبناء الطائفة في علاقاتهم مع بعضهم. وقلق على علاقتهم مع الطوائف الأخرى. وعلى تجني بعض الطوائف على مبادئ التوحيد الدرزي. وقلق على مكانة الموحدين السياسية والثقافية والاجتماعية. وقلق على دورهم في لبنان والشرق. وقلق على شباب الطائفة من الضياع لابتعاد الجيل الصاعد عن التوحيد بسبب الجهل به. وقلق على دروز المهجر من الانصهار.

كان رجل دين وان لم يلبس العمامة، ربما ليستطيع ان يكون حرا في مداواة قلق الخاصة والعامة، وفي شرح راية العلمي للشيوخ والشباب والعالم اجمع. وليكون حلقة وصل بين كل هذه الفئات.

وقد شخص الداء ووصف الدواء. فعبر عن كل قلق بترياق.

1-          قلق على مفهوم التوحيد في نظر العالم فألف «أضواء على مسلك التوحيد الدرزية» سنة 1966

2-          شغله تحامل المسلمين على علاقة عقيدة التوحيد بالإسلام. فكتب الإسلام في مفهوم الموحدين سنة 1970 .

3-          همّه مصير الجيل الناشئ في المهاجر فكتب بالانكليزية The Druze Faith, 1974,

4-          قلق على فهم تاريخ الموحدين السياسي ودورهم النضالي في نظر العالم العربي. فألف تاريخ الموحدين الدروز السياسي في المشرق العربي بالمشاركة مع الدكتور عباس أبو صالح . سنة 1980. وهو كتاب جامع لتاريخ الدروز منذ عصر الدعوة حتى أوائل القرن العشرين.

5-          واهمة التعريف برجال الدعوة فكتب مقالا عن القائد رافع بن أبي الليل أمير بني كلب في عهد الخليفة الفاطمي الظاهر وأوائل عهد المستنصر. سنة 1981

6-          قلق على فهم الدروز لعقيدتهم فكتب مسلك التوحيد. سنة 1980 وهو للخاصة. وجاء في الإهداء: الى سحر ورند ونسيب وسمير لقد أنشاني أبوأي على التوحيد وسهلا لي سبل العلم وكانا لي نورا أنار طريقي. فكتبت هذا الكتاب ليكون بدوره نورا لكم ولمن مثلكم من أبناء التوحيد.” وقد أورد فيه قصة الدعوة التوحيدية والعلاقة بين الله والكون والروح والجسم. 

7-          اهتم ان يفهم الناس معاني الصوفية الحقيقية فكتب كتاب  الحلاج ما وراء المعنى والخط واللون. سنة 1989. يلمّ هذا الكتاب بحياة الحلاج، ظهورا وصعودا ومصرعا، بصفته ظاهرة عرفانية ذات توجهات معرفية، وشخصية صوفية كبيرة كرّست حياتها لاستطلاع الحق من خلال العبارة التي تتجاوز في مراميها، معانيها الحسية والعقلية، الى معان لا يدركها إلا الصفوة من الناس.

8-          وكان قلقا لعدم معرفة ابداعات شيوخ الطائفة العلماء والأدباء فكتب كتاب الشيخ علي فارس. سنة 1990. وهو استعراض لسيرة الشيخ وشرح لأشعاره مع الإشارة الى العلاقة بين أشعار الشيخ وأشعار كبار الصوفية ومعانيهم الروحانية. وجعله في مصاف شيوخ وشعراء الصوفيين أمثال القشيري والسهروردي.  وحقق ايضا ديوان أمين تقي الدين, سنة 1996.

 

9-          اقلقه عدم فهم الزهد والتعبد ومحبة الله فكتب كتاب عاشقات الله. سنة 1994. وفيه سير النساء الصوفيات العابدات الزاهدات  أمثال: الست شعوانة وريحانة وميمونة.

10-    واشغله علاقة الدروز بالمسيحيين فكتب مقال علاقة الموحدين الدروز بالمسيحيين: دراسة تاريخية ونظرة مستقبلية. سنة 1994

11-    انشغل عقله وانتلا لبه بمحبة الله وبهره نور الحق فعبر عن الحال والمقام بوجدانيات صوفية عرفانية وبلوحات عندما عجز الكلام عن التعبير. بكتاب مرآة على جبل قاف سنة 1997.

12-    وكان قلقا بسبب تهميش تاريخ ودور الموحدين الدروز في لبنان. فكتب لبنان في عهد الأمراء التنوخيين. سنة 2000 وهو دراسة عن أصول تنوخ وتاريخهم قبل الإسلام وعن التاريخ السياسي والعسكري والأدبي للأمراء التنوخيين اللخميين في لبنان.

13-    آلمه اتهام الدروز بالتعصب المذهبي فكتب مقالا عن الرحمة والرحمانية والمحبة عند الموحدين. سنة 2003

14-    أوجعه إلصاق التهم بالدروز وخاصة تهمة التقية فألف كتاب التقية في الإسلام سنة 2004. وفيه يبين ان التقية ليست مقتصرة على الدروز بل هي إسلامية الجذور امتدادا في السنة والشيعة.

15-    اشغل باله تشويه بعض مفاهيم التوحيد فكتب العرفان في مسلك التوحيد الدرزية. سنة 2006 . الكتاب يعرف القارئ بمسلك التوحيد الدرزية خصوصا في بعده العرفاني الإسلامي وتعريف المنتمي الى هذا المسلك بحقيقة العقيدة التوحيدية وذلك بطرية تميزت بالصدق والوضوح والعمق والسعة في الرؤيا والسلامة في والبلاغة في العبير.

وكتب كتبا ومقالات اخرى وأصدر مذكرات ودواوينَ شعر مزينة بالرسوم والخطوط فهو خلف الخطاط المبدع المرحوم الشيخ نسيب مكارم، والقي محاضرات كلها تصب بهذه الغاية وتلتزم بهذا الأسلوب وتسعى لهذا الهدف وهو خدمة بني معروف ونشر تاريخهم الناصع ومبادئهم السامية وإعلاء شانهم وتسديد خطاهم وترسيخ عقيدتهم ودفع الغبن عنهم وتأليف قلوبهم وتقوية مركزهم.

فرحمة الله على هذا الخادم الأمين لمجتمعه، المؤمن الذي صدق لسانه وقلبه وإيمانه وعمله. شيخِنا واستأذنا وعالمنا الدكتور سامي مكارم

وقبل كل ذلك فله فضل خاص علي فقد كان المرحوم والبروفيسور قيس فرو أطال الله عمره اكبر المساعدين لي على انجاز الدكتوراه عن كتاب عمدة العارفين للشيخ الاشرفاني فجزاهما لله خيرا.

وشكرا لمن سعى وعمل على عقد هذا الاجتماع وحضره وساهم فيه. نرجو ان نكون معا قد وفينا الراحل الكريم حقه وأحيينا ذكراه وعملنا خيرا لهذه الطائفة.

وشكرا لكم. والسلام

د.-فايز-عزام-300x160

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .