التينة العارية – أليف صباغ

“يجب علينا أن نتوقف عن خلق الانطباع بأننا نحب العرب”، هذا ما صرح بها زعيم المعسكر الصهيوني (حزب العمل+كديما) يتسحاك هرتسوغ قبل أيام. لكن، ورغم مرور عدة أيام، ما يزال صدى هذا التصريح يقلق كل من علق آمالاً على إيجاد بديل لبيبي نتنياهو، عل وعسى يفتح آفاقاً جديدة للتقدم نحو تسوية سلمية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967.
جاء هذا التصريح في ظل التحقيق الجاري مع هرتسوغ حول عملية فساد مالي داخل حزبه كان هو بطلها والمستفيد منها عام 2013، وجاء أيضاً في أعقاب تصريح أحد نواب حزب العمل، زهير بهلول، آخر من تبقى من عرب الحزب في الكنيست، الذي قال فيه “إن الشاب الفلسطيني الذي يحمل سكيناً ضد جنود الاحتلال ليس مخرباً” مما أثار ضجة كبيرة في المجتمع الإسرائيلي وداخل حزب العمل نفسه، فطالبه البعض بالاستقاله من الكنيست.
جاء هذا التصريح أيضا في ظل مفاوضات “سرية” بين هرتسوغ  ونتنياهو لضم المعسكر الصهيوني الى الحكومة. فهل كانت هذه الظروف وغيرها هي من دفع هرتسوغ لمثل هذا التصريح؟ وجعل صداه لا يهدأ رغم مرور الأيام؟ أم أن هناك أموراً أكثر عمقاً ويتوجب علينا التوقف عندها؟   الحقيقة، أن مثل هذه التصريحات العنصرية ليست جديدة ولا مفاجئة، ولا حتى من رئيس المعسكر الصهيوني هرتسوغ، وما تسمِيَتُه بمعسكر “السلام” أو “اليسار” إلا من باب التمنّي. لقد أصبح معلوماً أنه كلما دخل زعيم، أو حزب صهيوني في مأزق، وجد في العرب “مضرب عصا” يفرغ فيه غضبه ليثبت للجمهور العنصري، أمثاله، أنه ما يزال صهيونياً ويرى في العرب عدواً، مثل هذا التحليل ليس جديداً وقد تبناه بعض اليهود أيضاً وليس العرب فقط.المفاجئ هو الاستغراب بحد ذاته!  ليس غريباً على يتسحاك هرتسوغ، وهو ابن حاييم هرتسوغ أول حاكم عسكري للضفة الغربية بعد احتلالها عام 1967، والمسؤول المباشر عن تهجير سكان القدس المحتلة، وليس غريباً على حزب العمل الصهيوني، بتسمياته المتعددة، المسؤول الحصري عن نكبة شعبنا منذ عام 1948 ولغاية اليوم، وصاحب مشروع الاستيطان المتوحش في المناطق المحتلة عام 1967، وكذلك مشروع تهويد الجليل والنقب، والمسؤول عن سلسلة المجازر التي نفذها جيشهم ضد شعبنا ومنها مجزرة دير ياسين وعيلبون والطنطورة ويوم الأرض، وأوامر تكسير العظام ودفن الاحياء، ولا ننسى مجزرة قانا وأكتوبر 2000 وقائمة طويلة أخرى نفّذت بأوامر من حزب العمل وقياداته.ولكن ما يجب أن نلتفت إليه هو الإجابة على الأسئلة، من هو المستفيد من هذا التصريح؟ هل يستفيد منه حزب العمل فعلاً؟ هل يستطيع بمثل هذه التصريحات أن يستقطب الجمهور اليهودي العنصري في إسرائيل أو حتى داخل حزب العمل؟ وإذا ما افترضنا أنه نجح في ذلك، هل يمكنه أن يتقدم نحو عملية سلام حقيقية مع العرب بدعم من هذه الأوساط التي اكتسبها على خلفية العداء للعرب؟ منذ أن فقد حزب العمل سلطته عام 1977 وهو يحاول العودة الى الحكم بأدوات يمينية تسترضي الشارع اليهودي العنصري، وقد قلنا دائماً أن من ينافس على ظهور أحصنة الخصم فهو خاسر لا محالة. لقد نجح حزب العمل في تشكيل الحكومة آخر مرة عندما كان إيهود باراك زعيماً للحزب، مستخدماً الماضي العسكري الإجرامي لإيهود باراك وأزمة القيادة التي سادت معسكر الليكود آنذاك، ولكن هذا لم يجلب السلام بل كان إيهود باراك هو من فجر الانتفاضة الثانية بإرسال أرييل شارون لاقتحام الأقصى في نهاية أيلول/ سبتمبر 2000 ، وهو من أعطى الأمر بقتل 13 شاباً فلسطينياً، مواطنين إسرائيليين.مُذّاك، لم يستطع حزب العمل أن يقود الحكومة، ولن تسعفه كل التصريحات العنصرية في مواجهة الأكثر عنصرية ووقاحة بنيامين نتانياهو. يتساءل المصوت اليهودي، لماذا يختار قيادة عنصرية ولكنها متلعثمة، ممثلة بحزب العمل، مقارنة بقيادة عنصرية واضحة وصريحة متمثلة بالليكود وزعيمه نتنياهو؟ في الأزمات لا يرغب جمهور المصوتين بالوقوف في الجانب المتردد، بل يبحث عن مواقف صريحة وواضحة، ولذلك فهم يختارون الليكود ونتانياهو بالذات او اكثر منه يمينية ووقاحة.من العرب وغير العرب، من يتسامحون مع تصريحات وسلوكيات عنصرية لزعماء حزب العمل والمعسكر الصهيوني عامة، عل وعسى يستطيعون جذب الجمهور اليهودي العنصري لتشكيل حكومة بديلة لليكود، لكنهم ينسون أن انعطافة يمينية حصلت في المجتمع الإسرائيلي وكذلك في الحركة الصهيونية العالمية، وانتقلت بموجبه القيادة من يدي التيار الصهيوني “العلماني” إلى يدي التيار الصهيوني المتدين، ووصلت هذه الانعطافة إلى صفوف الجيش حتى، وهو في تصاعد مع شعور الإسرائيلي بنجاح سياسة القوة والتعنت التي يقودها نتنياهو، في ظل غياب قوة عربية قادرة أن تواجه إسرائيل وغياب موقف فلسطيني متمسك بالحقوق الفلسطينية مقابل التعنت الإسرائيلي وعالم يسترضي إسرائيل ولا يواجهها.
لقد أسقطت تينة حزب العمل آخر أوراقها الخريفية بالهجوم المنفلت على عضو البرلمان من الحزب نفسه، زهير بهلول، لأنه تجرأ أن يلتزم بما أقرته الشرعية الدولية وثبته القانون الدولي، اللذين أعطيا الحق للشعب الواقع تحت الاحتلال بأن يقاوم محتليه بكل الأشكال الممكنة بما في ذلك العنف، ورفض تصنيف المقاوم الفلسطيني بـ”المخرب” كما يسميه الإجماع الصهيوني.لقد سقطت ورقة التين الأخيرة، ولم يعد حزب العمل قادراً على أن يشكل بديلاً سلامياً لليكود، وأصر هرتسوغ، في تصريحه الأخير، أن يجاهر ويؤكد ذلك لمن لم يتأكد بعد، فهل يفهم العرب الرسالة؟ وحين يفهمون ذلك، لا بد أن يعملوا على تجسيد حقوقهم الشرعية من خلال خطوات أحادية الجانب وفرض الحلول أمراً واقعاً، بغير ذلك، يقول المثل الفلسطيني: عيش يا كديش ليطلع الحشيش.
المصدر الميادين

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .