إمْرَأة   وحيدة  –  إيْلانَة هَمِرْمان   مراجعة :  نمر  نمر

Scan_Pic0003

اسمحوا لي :أن أقدّم للقراء  الكرام صورة مغايرة لما نراه في الشارع العبري العنصري, هو وحكومته الغير رشيدة , محلّيّاُ وعالَميّاُ.أنّها قصّة السّيّدة : إيلانة همرمان , حَيفاويّة المولد ومقدسيّة المسكن ,كاتبة,مُترجمة, رحّالة . ناشطة اجتماعيّة وسياسيّة, وضعتْ وترجمتْ عدّة كتب,قضيّة الصّراع العبري الفلسطيني شغلت بالها كثيراً, أبْدتْ تفهّماً عميقاً للحيف والجور اللذَين وقعا في الجانب الفلسطيني, من جرّاء السّياسات الإسرائيليّة المتعاقبة , منذ عام النّكبة وحتى اليوم.

  إنّها خرّيجة جامعات فرنسيّة, ألمانيّة واسرائيليّة ,دَرَسَت الأدب وَفِقْهَ اللّغة , محرّرة أدبيّة ولغويّة في عدّة دور نشر محلّيّة , ناشطة سيساسيّة يساريّة, كانت عضوة مجلس قائمة حقوق المواطن /ميرتص/عضوة إدارة منظمة : بِتْصيلم/بالأصالة /, عارضت الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين , عام 2010 أقامت منظّمة النّساء:لو مِتْصَيْتوت/لا تَرْضَخْنَ. من بين الكتب التي وضعتها:النّازيّة في مرآة  الأدب الألماني الحديث,شعراء لا يكتبون الشّعر, بُرج السّرطان/ روحة بلا رجعة,من بيروت الى جنين,مناطق غريبة/التّجارة بالنّساء في اسرائيل…

  بين يدينا كتابها الأخير : إمرأة وحيدة, إصدار دار : أحوزات بايت, 2016 ,عدد الصفحات 302 , قطع متوسّط , ضمّ الكتاب الفصول التالية: في نيوزيلندة,في دولة الفلسطينيّين/الضّفّة الغربيّة, أولاد أسْرى , فصول السّنة في الخليل,دولة فلسطين/قطاع غزّة, هذا ناهيكَ عن التّقديم ,التّذْييل  والملاحظات الأخرى.

  تُشير الكاتبة الى أنّها فقدتْ زوجها وأختها,فَظَلّتْ وحيدة, ومن هنا جاء عنوان كتابها, إلاّ أنّها لم تستسلم لليأس والانزواء والتّقوقع ,لِتندب سوءَ طالعها , قرّرت الخروج الى العالَم الرّحب , والتّعرّف على بعض ما يعانيه أبناء البشريّة من ظلم وَجَور,جابَتْ نيوزيلندة بواسطة درّاجة هوائيّة ,اقتحمَت الأهوال والأدغال والمخاطر، النّاس استغربوا جرأتها  وإقدامها , قالت: لم يمسّني أحد بسوء,لا انسان ولا حيوان:أنا وحيدة, أرملة, مجهولة ,حُرّة وطليقة,  وبشكل خاص ,آلَمَها وضع أبناء الشّعب  العربي الفلسطيني القابع تحت نير الاحتلال والاستعمار الاسرائيلي البَشِع,لديها سيّارة :فورد حمراء,أنْتيكة,تَرَانْتَة  ,بَدّها عدّة دَفْشات  تّتْدور , شِدّوا الهمّة يا شباب! وشباب فلسطين كانوا على أهبة الاستعداد دائماً وأبداً, قبل وبعد أن يتعرّفوا عليها, وعلى سيّارتها التي أصبحتْ علامة فارقة ومُمَيّزة, في شوارع وطرقات فلسطين الوَعِرة والتي يصعب اجتيازها,لِعَدَم صيانتها والاهتمام بها , كانوا يُغيّرون لها البَناشِر,الصّيانة ,التّصليحات في الكراجات ,حسنة لوجه الله ومقابل حُسْن صنيعها معهم , تعرض عليهم النّقود , لكنّهم يأبَونَ قبولها, رغم ضيق ذات اليد,التقت إيلانة مع طبقات الشّعب المسحوقة, مع المحرومين والمُشَرَّدين, مع الفقراء والبؤساء,هَرَّبَتْهم في سيّارتها الى الدّاخل, لعلّهم يجدون عملاً, يَسِدّون به رَمَقَهم وَأُسَرِهم المسحوقة التي تبات على الطّوى,جابت المدن والقرى, ومن بينها : حوسان,بَنير, نحّالين, بيت أُمّر, سعير ,أمّ الخير ,رام الله … , ولم تنسَ المخيّمات في الضّفة والقطاع ,واخترع الاحتلال لهذه المناطق أسماءً وهميّة للتمّويه والغطرسة: المناطق المُدارة, يهودا والسّامرة,منطقة بنيامين , وغير ذلك, وقفتْ عن كثب على أوضاع اللاجئين , لعلّها تذكّرنا بقصيدة  الشاعر المُخضرم: الحُطيئة,أدرك الجاهليّة والإسلام,توفي عام 54 للهجرة :

   وطاوي ثلاثٍ عاصِب البطن مُرْملٍ    ببيداءَ لم يعرف بها ساكن رسما

  أخي جفوةٍ فيه من الإنس وحشةٌ        يرى البؤس فيها من شراسته نُعمى

  وأفْرَدَ في شِعْب عجوزاً إزاءَها       ثلاثة أشباحٍ تَخَالُهم بَهْما

   حُفاةً عُراةً ما اغتذَوا خبز ملَة      ولا عرفوا للبُرّ مُذْ خُلِقوا طعما

رأى شبحاً وسط الظلام فراعه       فلمَا بدا ضيفاً تشمّر واهتمّا

فقال هيا ربَاهُ! ضيفٌ ولا قِرىً     بِحَقِّكَ لا تحرمْهُ تالليلة اللحما

وقال ابنه لمّا رآه بِحَيرة            أيا أبَتِ!اذبحني وَيَسِّرْ له طعما

  هكذا كانت إيلانة تحلّ ضيفة على المسحوقين بفقرهم المُدْقع, تصطحب معها بعض ما تيسّر من الحاجيّات والضّروريّات , لعلّها تُخفّف من بؤسهم وتسدّ رمقهم,وتشدّ أزرهم , وتخفّف من وزرهم في هذه الظروف الحرجة التي يجتازونها مُكْرهين مقهورين,إيلانةهي شجرة ,كانت تودّ أن تكون وارفة الظّلال  لِتُفَيّء على اللاجئين, وتغيير ظروفهم الصعبة , ولكن العين بصيرة واليد قصيرة,لعلّها تذكّرنا بتلك المرأة الهنديّة التي تبرّعت لبوذا بنصف ما تملك من متاع وحطام الدّنيا, وهو نصف رمّانة!رافقت أسراهم الى غياهب السجون الاسرائيليّة, احتجّت, اعترضتْ,ندّدَتْ, كتبتْ وأدانت القمع والاجحاف الاسرائيلي بكافّة موبقاته وعنجهيّته التي لا تعرف الحدود,وقفت على الحواجز العسكريّة, حذّرها الجنود من دخول المناطق المعادية! تضع روحها على كفّها, كأنّها تتماهى وتتخاطر مع الشاعر الشّهيد:عبد الرّحيم محمود:

 سَأحمل روحي على راحتي    وألقي بها في مهاوي الرّدى

فَإمّا حياةٌ تَسرّ الصّديق         وإمّا مماتٌ يغيظ العِدا

ونفسُ الشّريف لها غايتان     ورودُ المنايا وَنَيْلُ المُنى…

تلتقط بعض الكلمات والمصطلحات العربيّة كبطاقة عبور لها للتفاهم مع المُعذّبين في وطنهم:  شكراً, يسلموا إيديكي,عفواً, صحتين, خَطّاط,صيصان, أعلاف, مَزارع, شارع الشّهداء…تقتحم الطّوق الحصاري على مدينة خليل الرّحمن,موبقات المُحْتَلِّين في كريات أربع,زعرنة الأزعر باروخ مرزل الذي يأمرُ جنودَ الاحتلال/الاختلال/الانحلال بإقفال المدينة بوجوه أصحابها الشّرعيّين, وَلْيسرحَ ويمرح قطعان الاحتلال على فيَالِهم! منع تجوّل للمواطنين,مصادرة بطاقات هويّاتهم, ومُطلق الحرّيّة للمستوطنين السّائبين ! هيك حرّيّة  وعدالة يا بلاش! أبطال الكتاب حقيقيّون مع تغيير بعض الاسماء, حكايات من صميم الواقع,نشرت المؤلّفة بعضها في صحيفة : هآرتص, لن تنسى معسكر جبالية, ولا الحرب العدوانيّة على غزّة هاشم: 2014 , الجرف الصّامد بلغة الاحتلال, عدد الشّهداء , الجرحى, اللاجئين بلا مأوى , البيوت المهدومة , الضحايا الأبرياء, جيش نظاميّ يحارب الأطفال والعُزّل ,تزور السّجناء والأسرى ,تكتب رسالات الاحتجاج والتّنديد بجرائم الاحتلال, تتوجّه كتابيّاً الى أصحاب الشّأن: رئيس لجنة المراقبة في الكنيست,المستشار القضائي للحكومة…تتلقى أجوبة وهميّة: الأمر قيد البحث…لكن لا مين شاف ولا مين درى, كلّو في الخرج أو حاويات الزّبالة, على عينك يا تاجر!لم تيأس تدعو الجنود لرفض الأوامر , تقتبس ما جاء في تقرير منظّمة : يُحطّمون الصّمْت/ شوبريم شتيكة, على لسان أحد القادة العسكريّين الإسرائيليّين : أتذكّر بأنّني خاطبت نفسي قائلاً: مواطنو غزّة على رأس…/بعيد عنكو/ هذه دعارة الاحتلال/ما يستحقّه مواطنو غزّةهو: الجروح القتّالة أو الموت! هذا هو ما يخالجني…

  هذه هي عدالة الاحتلال الحضاري الاسرائيلي, والدّيموقراطيّة الوحيدة في الشّرق الأوسط!

*اللواء المتقاعد:شلومو جازيت كتب في موقع عبري/ الجانب الأيسر للخارطة السياسية:لو كنتُ قائداً للأركان, أو رئيساً للمخابرات, أو رئيس حكومة اليوم,لَوَزّعْتُ هذا الكتاب على كل الجنود,كل الوزراء ,وكل أعضاء الكنيست,ليكشفوا عوراتنا واحتلالنا الغاشم في معاملة الفلسطينيين…,جاء كلامه هذا بعد تعيين العقيد: أيال كريم لمنصب الحاخام الرئيسي للجيش,خلال الأسبوع المنصرم,وحلّل للجنود إغتصاب َالنّساء الأغيار!

**تحيّة تقدير وشكر للكاتبة العبريّة إيلانة همرمان: شجاعة ,إقْدام,جرأة ,أصالة بشريّة,تقول كفى ظلماً وجوراً ولينقلع الاحتلال الى غير رجعة! وَلْتَقُمْ دولة فلسطين المستقلّة ,وعاصمتها القدس الشّريف, أولى القِبْلَتَين وثالث الحرمَيْن ! آمين !

 Scan_Pic0002

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .