إلى أين ينحرفون بالفـَن !! بقلم: عبــد الهــادي شــلا

إلى أين ينحرفون بالفـَن !!
بقلم: عبــد الهــادي شــلا

مسيرة الفن التشكيلي طويلة متشعبة ومعقدة لا تقيم وزنا لمن يحط من قيمتها وقدرتها على تلبية حاجة الإنسان للجمال وصور الحياة بكل حالاتها.

جولة قصيرة في مكانين مختلفين جعلتني أقف أمام نفسي ساعات أسترجع ما رأيته في هذين المكانين من لوحات ،وأسألها : هل – نحن الفنانون التشكيليون- كنا وما زلنا على خطأ أن تبنينا قضية إنسانية تفتحت على أصدائها آذاننا وعلى صورها القاسية عيوننا و تجرعنا حموضة ومرارة طفولتنا التي جاءت مع تفجرها ؟!

إنها قضية فلسطين ونكبة شعبها بإغتصاب أرضه جهارا نهارا وسط عالم لا يحرك ساكنا إلا حين تمس النار طرف ثوبه أو تقترب من مصالحه!!

وقفت طويلا أمام لوحات لعدة فنانين بثقافات مختلفة في قاعة عرض هي إحدى المكانين اللذين أشرت إليهما فما وجدت ” قضية ” ولا جمالا يمس الروح في أي عمل وإنما ألوان وخطوط لا تنتمي إلى أي مدرسة فنية من المدارس الحديثة التي جاءت في مطلع القرن العشرين المنصرم نتيجة بحوث وتواصل بين كل أنواع الثقافة التي غزت العصر من كل إتجاه و أستنبط منها مناهج فنية وفكرية وصلتنا سالمة لنستقي منها ونبني عليها قيم جديدة.

رأيت لوحات صنعتها “الصـُدفة” بلا أي سيطرة للفنان على أي جزئية فيها مما جعل المتلقي في حيرة لا يعرف من أين يبدأ وإلى أين سينتهي!

هل خبرتي الطويلة التي فاقت الخمسين عاما في عالم الفن التشكيلي عاجزة عن أن تجد مدخلا في أي لوحة مما أشاهد؟!

أم أنني ورغم معرفتي وممارستي ومتابعاتي لم أصل إلى مستوى ما أرى؟

أبدا،لم أجد عجزا في بصري ولا بصيرتي وبإنصاف بدأت قرأة الأعمال المعروضة فما وجدت غير ما وصفته سالفا.

لوحات بلا معنى وبلا هدف وبلا قضية من قضايا العصر الكثيرة والمعقدة التي يعيشها الإنسان بين حروب وجوع وإضطهاد وغيرها من المآسي ولا حتى قضية فنية بل هي أقرب ما توصف بأنها مشاعر متناقضة ومتضاربه في نفس مريضة .

خلت الأعمال من القيم العالية فجاءت ضعيفة ومفتته دون إدراك من الفنانين بأنهم يفرضون شكلا هداما في الفن الرفيع ويصدون الأبواب أمام كل من يحاول أن يجد فسحة من الجمال الروحي والفكري بما يرون أنه فنـاً وهنا يكمن الخطر من تلك البدع والشطحات الغير محسوبة!!

تذكرت بعض الناشئين الذين التقيتهم كثيرا وكانت شروحات أعمالهم بكلمة خطيرة جدا وهي ( هكذا أريد !!).. هذه الكلمات ليس مكانها الإبداع على الإطلاق.
فالإبداع يجب أن يكون ممنهجا وعن وعي كامل لمشروع فني.

إذا نحن مقبلين على “موت” حقيقي للتعبير عن صور الحياة التي خلدها الفنانون عبر الزمن وبأيدي عابثة لا تدرك أبسط القيم الفنية التي يجب توفرها في أي عمل حتى يحمل صفة الفن الرفيع .

ندافع عن سنوات عمرنا التي قضيناها في التعبير عن صور الحياة وحالاتها بمأسيها وأفراحها ،وهذا حق لنا أن نحفظ للإنسان حقه في الرفض وفي التأييد وفي الحرية والبحث عن القيم الجميلة ونكشف الساقط من الأعمال الفنية.

أجمع علماء الجمال والنقاد على أن الفن هو صورة الحياة مهما إختلفت طرق التعبيرعنها ولكن ضمن شروط العمل الفني التي إن نقص إحداها إختل ميزانه وضعفت قيمته.

وهنا نتوقف قليلا لنوجه لفتة محبة للفنانين الشباب بأن يكونوا على علم ودراية بكل جزئية في أعمالهم وهذا لا يتوفر بدون المتابعة والقرأة في شتى علوم المعرفة وان تكون قضاياهم الإنسانية والفنية أيضات في أولى إهتماماتهم فقضايا الأنسان ليس قاصرة على الأنسان العربي فقط..

المأساة هي المأساة أينما كانت ،والجمال هو الجمال أينما وُجــِد.

9998687063

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .