ألهمزة..وما أدراك ما الهمزة!؟ // ففورانيتحي   

 

 

fathi-rana

  • لقد قررت أن تهز الرسن للأهالي..وتدوّخهم!

ألمعلمة إخلاص..إنسانة مخلصة..ولا يرقى إلى إخلاصها أدنى شك!

ما زالت في خطواتها الأولى في حقل التعليم..وما زالت في عزّ شبابها!

وهي تعشق اللغة العربية..حتى الموت!

فمن العشق ما قتل!

وفي أحلام اليقظة والمنام..ترى الأميرة  أمير أحلامها فارسًا يطل من وراء الأفق..راكبًا حصانه الأبيض..ويعدو حاملا باقة ورد..رافعًا رأسه..ويمشي بخيلاء!

هي خريجة مؤسسة أكاديمية  للتربية..وتحمل شهادات رفيعة المستوى لتعليم اللغة العربية..ويختبئ في حقيبتها  العديد من التوصيات التي توصل بعيدًا بعيدًا..فهي “واصلة”..كفانا شر “الوصول”..وشر الوصوليين.. وعلى أيّ حال.. فالحمد لله رب العالمين!

لن أتحدث عن جمالها!

غير أنها تتمتع بنصيب لا بأس به من الجمال والجاذبية  والأناقة!

تخطر في الطريق..فتشهق العيون معجبة!..وتتسلل التيارات الكهربائية إلى بعض القلوب العاشقة!

  • هكذا نصنع العباقرة في كتابة الهمزة!

وضعت الأميرة نصب عينيها..رفع مستوى اللغة العربية في مدرستها وخلق “العباقرة” في الصرف والنحو والإملاء..ولا سيما موضوع الهمزة..موضوع أطروحتها النهائية في دراستها الجامعية..وكان طموحها أن تبزّ الأولين والآخرين..وأن تأتي بما لم يستطعه الأوائل!

كيف!؟..بسيطة يا محترم!

لقد قررت أن تهزّ الرسن للأهالي..وتدوّخهم!..حتى يعرفوا مع من هم “عالقون”!

نحن هنا!

يقول الراوي: أيها الأهالي الكرام..حافظوا على برودة أعصابكم..ورباطة جأشكم..وتحلّوا بضبط النفس..وعصّبوا رؤوسكم..فتماسكوا وتمالكوا أنفسكم واصمدوا!

إن جحافل الهمزات آتية..ولسوف تباغتكم في عقر بيوتكم..فأعدّوا لها ما استطعتم من قوة..ومن رباط الرأس!

ويحمل الطلاب الصغار في حقائبهم..”البشرى” إلى الأهالي!

إن العواصف التسونامية قادمة!

وهي لن تبقي ولن تذر!

  • الغوص في محيطات الهمزات!

في ليلة ليست كباقي الليالي..فزعت المعلمة إخلاص إلى ثلاثة عشر من  مصادر الصرف والنحو والإملاء..وراحت تغوص في  بطون الكتب    والمجلدات والمراجع المختلفة..قديمها وحديثها..وأخذت تنشل وتستقي من الينابيع ما طاب لها..باحثة عن الحالات المختلفة لطريقة كتابة الهمزة..ولم تترك هامشًا أو زاوية من زوايا الكتب أو زقاقًا معتمًا يخبئ ما هبّ ودبّ من الاستثناءات والشواذ عن القاعدة والتعقيدات التي تعقد الطلاب..إلا طرقت بابه..فانقضّت عليه..وأمسكت به من تلابيبه..واقتادته  أمامها وقيّدته في بطاقات الملاحظات!

وحملت مجهرها منقّبة عن أدق الدقائق التي تتحدث عن الهمزة وأحوال كتابتها والوجوه المختلفة والشائكة التي تتقنع بها الهمزات وصديقاتها من بنات العائلات المهذبات وغير المهذبات!

ألم يكن موضوع وظيفتها الجامعية للقب الأول..عن الهمزة وأحوالها وأشكالها والمواقع الجغرافية التي تتبوؤها!؟

ألم تكتب مائة صفحة عن غابات الهمزات وأدغالها وكرنفالاتها وأعراسها  الصاخبة وأزيائها المزخرفة وأقنعتها الحمراء والخضراء والسوداء والصفراء والليلكية والبرتقالية والبنفسجية..وما تيسر من شبكة الألوان القزحية!؟

ونامت الأميرة على حلم..فقد رأت في ما يرى النائم..رأت نفسها نبيّة تحمل راية الخلاص والبشائر..وجاءت لتخلص الطلاب من الحالة المتردية التي   يسودها  التوتر..في العلاقات بينهم وبين الهمزة!!

ورأت في ما يرى النائم..الجماهير الغفيرة تشير  إليها بالبنان..وليس أيّ بنان!

  • حسناء الشاشة..أمام المرايا!

عندما أطل الصباح رباحًا وزقزقت العصافير..نهضت القرية  الوادعة من نومها..وفركت عينيها..لتعانق شمس الصباح الخضراء!

وقفت المعلمة إخلاص أمام المرآة ..عارضة أزياءها..ناظرة إلى الشعر الأسود..ومعجبة  بالوجه الجميل!..نظرت نظرة بانورامية..اجتاحت الكحل في العينين الكحيلتين..والسيفين المنصوبين فوق الحاجبين..والظلال الخضراء تحت الجفنين..والتوثب الشهيّ في لمى الشفتين العنيدتين..

ولم تنس الأميرة الأنيقة..ابتسامتها الرقيقة..ونظراتها الساحرة..التي تسعى لاصطياد العيون الناظرة!

 

  • الهمزة..ملكة جمال الأبجدية!

تدخل الأميرة غرفة الصف الخامس:

صباح الخير..يا شاطرين!

موضوعنا اليوم..الهمزة!

هل سمعتم بالهمزة؟

فالهمزة زينة الحروف في إملاء اللغة العربية..إنها ملكة جمال الأبجدية!

تعالوا معي لنذهب في نزهة شائقة إلى غابات الهمزات والسياحة في أدغالها والغوص في مناجمها المليئة أسرارًا جميلة!

تعالوا وتفرّجوا وتعرّفوا على الهمزة وأخواتها الفاضلات الكريمات!

فالمائدة حافلة..والخير كثير..وعين الحسود فيها عود!

 

  • أدغال الهمزات!

إن خير الأمور..أوائلها..وأواسطها..وأواخرها!

ألهمزة في أول الكلمة..تكتب هكذا..عين  بارحة!

والهمزة على الألف وسط  الكلمة..مئذنة تعتمر قبعة..وهنالك استثناءات!

والهمزة على الواو وسط الكلمة.. بؤبؤ ..وهنالك استثناءات!

والهمزة تجلس كرسي من فصيلة الياء..وسط الكلمة إذا كانت ساكنة وكان ما قبلها متحركًا! وهنالك استثناءات!

والهمزة المتطرفة..(كفانا الله شر التطرف!) تكون في آخر الكلمة..وفي الشمال الشرقي منها!

والهمزة المفردة..أرملة وحيدة..كفاها شر التوحد..وكان الله في عونها!

وإذا كانت بلا حسب أو نسب أو بلا  ظهر أو عزوة..حذفت وسحقت وأصبحت أثرًا بعد عين!

وإذا كانت رأسها يابسًا..أمكن تخفيفها وتليينها!

هذه هي همزة القطع..قطع الله نسلها..وأراحنا من همها وعذابها..

 وأما همزة الوصل..قطع الله أوصالها..وألقاها في جهنم..لتصلى نارًا  ذات لهب!

فتكتب على سن أو كرسي  إذا..

وتكتب منفردة حرة طليقة إذا..دشرت وسابت وسارت على “حلة” شعرها..

والكسرة أقوى الحركات..ولا قوي إلا الله..

وتليها في  المرتبة الثانية..الضمة..وهل هنالك أحلى من “الضم”!؟

وفي المرتبة الثالثة..الفتحة..فتح الله في وجهها  أبواب الجنة!

فالكسرات والضمات والفتحات..مقامات!

والهمزات مراتب ومستويات ودرجات وطبقات..مثل عباد الله..الفقراء والأغنياء..

وإذا استعصى عليكم الأمر..ووقفتم أمام الأبواب المغلقة..فدربكم على الفتًاحات والعرّافات والمُنجّمات والضاربات بالمندل..

  • فاهمين يا شاطرين!؟
  • فاهمين..فاهمين..فاهمين!

 

  • لا تنسوا أن “الشاطرين”..في الصف الخامس!

يمتلئ اللوح الأسود بطوفان من الأمثلة والنماذج وقواعد كتابة الهمزة في جميع أوضاعها..وحالات وقوفها وانتصابها وفي حالات قيامها وقعودها..قائمة قاعدة نائمة منبطحة..متكئة على الجانب الأيمن أو الأيسر أو الجانب الذي يريحها..ومستقلة وفالتة وسائبة على حلّة شعرها..إذا فلتت كوابحها..وأرخت العنان لفيض حواسها!!

  • – إنسخوا يا شاطرين!
  • ويبدأ السير في درب الآلام..وفي غابة المتاهات الكبرى..ويبدأ “الشاطرون” يحرثون حرثًا وينسخون نسخًا..ويتصببون عرقًا..
  • ينظر المسؤول عبر كاميرته الخفية إلى المعلمة “الشاطرة”..وإلى هؤلاء “الشاطرين” المشطورين..فينشطر القلب أسى على هؤلاء الأطفال الصغار وطفولتهم المعذبة..وسيرهم حفاة في حقول الهمزات الشائكة!
  • للتذكير..لا تنسوا أن “الشاطرين” في الصف الخامس!؟
  • لا تنسوا..سجلوا!
  • * فاهمين يا معلمتي..فاهمين..فاهمين!
  • مرة أخرى..فاهمين يا شاطرين!؟

 ويجيب الطلاب الصغار بصوت واحد وكأنهم جوقة موسيقية تنشد النشيد القومي..نشيدًا موزونًا مقفًى!

– فاهمين يا معلمتي..فاهمين..فاهمين!

– في المرة القادمة..حلوا التمارين من واحد إلى عشرين!

فاهمين يا شاطرين!؟

وتزقزق العصافير الصغيرة:

  • فاهمين يا معلمتي..فاهمين..فاهمين!

 

  • الأهالي يعلنون حالة استنفار!

يعود الأطفال إلى بيوتهم..

  • بابا..ماما..معنا وظيفة..في الأسبوع القادم عندنا امتحان..عن الهمزة..أميرة الحروف! قالت لنا المعلمة “إستعينوا بأهاليكم في حل الوظيفة والتحضير للامتحان”!

وتأهب الأهالي المستنفَرون الذين طحنهم الجهاد نهارًا..إلى خوض المعركة التي تنتظرهم مساء!

كان الأهالي  من مختلف ألوان الطيف..معلمين ومديرين ونجارين وحدادين وأصحاب دكاكين ومحامين ومحاضرين جامعيين وفنانين وممثلين ومطربين ورشاقين..وكانوا عمالا كادحين..وغلابى متقاعدين قاعدين مسطولين..ينتظرون رحمة رب العالمين!

يضاف إليهم أطباء ومدققو حسابات وبائعو خضروات ومعلمات وعاملات اجتماعيات ومستشارات تربويات..وسكرتيرات..وهلمّ جرجرة وجرجرات!

فقد أعلنوا جميعًا حالة الطوارئ والتأهب القصوى..وتجندوا ضد أرتال الهمزات الزاحفة إلى الحقول البريئة..وتأهبوا للتصدي إلى بعبع الهمزات..وإنقاذ أبنائهم من الخطر الداهم..ومد يد العون  لحل وظيفة الهمزة..والاستعداد  للامتحان..آملين أن يجتازوا المحنة..بأقل عدد من الخسائر!

يجلس  الآباء والأمهات على كرسي الاعتراف ويعترفون أن العلاقة بينهم وبين الهمزة ليست ودّية إطلاقًا..ويشوبها الكثير من التوتر وسوء الفهم والتفاهم..فبينهم وبين الهمزة المحترمة..ألف سنة ضوئية!

ويعلن البعض أنهم طلّقوا الهمزة قبل أكثر من عشرين عامًا..عندما كانوا على مقاعد الدراسة في المدرسة الثانوية..ونسوا شكلها وكيف تكتب..مربعة؟..مدورة؟..مستطيلة؟ معقوفة؟ مائلة؟ على كرسي؟ على خازوق؟ مصمودة فوق الألف؟ مطروحة تحت الكرسي؟

 

  • أللهم ولا تدخلنا في التجربة..ونجّنا من شر الهمزة!

لكنه البدّ الذي لا بدّ منه..إنها أم المعارك..عليكم أن تنضوا عن سواعدكم..وتنزلوا إلى ساحة الوغى لقتال الهمزة وأخواتها..فقد كتب عليكم القتال وهو كُرْهٌ لكم!

**

يقع الأهالي في حيص بيص..فتعلن حالة استنفار!

وترتفع وتيرة الاتصالات الهاتفية للسؤال والاستفسار والتشاور..فيشتبك الهاتف بالهاتف..وتقتفي الشتيمة أثر الشتيمة..وتتشابك الآراء والاستشارات والتحليلات والاجتهادات والحوارات بين الرأي والرأي الآخر!

لقد راح البعض يتصلون بمعلمي اللغة العربية والخبراء في المسائل الإملائية..لعلهم ينقذونهم من “العلقة” التي أوقعت “يوسف” في الجبّ..ويلقون إليهم طوق النجاة!

وبعد اللهاث الماراتوني في مطاردة الغزالة..وبعد أن طلعت الأرواح..حل الأهالي ما أمكنهم من الوظيفة..حتى تحلّ المعلمة عن ظهورهم! وتركوا الباقي على ربّ العباد..والذي ينزل من السماء..تتلقاه الغبراء!

فعلى قدر فراشهم..مدّوا أرجلهم..وعملوا ما وسعهم..ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها..

أما البعض الآخر..فقد نفض يديه صائحًا:  إني بريء من دم هذا الصدّيق ومن همزاته!

ورفع الراية البيضاء!!

 

  • خمسة نجوم ذهبية للأستاذ رمضان!

وفي صباح  اليوم التالي..ذهب الطلاب “الشاطرون” إلى المدرسة فرحين..وسلّموا الوظيفة “الأهلية” ممهورة بأسمائهم  إلى حضرتها..فحصت المعلمة الوظائف..وكان نصيب الأهالي من آباء وأمهات..الحظ الأوفر من العلامات..والملاحظات!

**

عفاكي (وليس عافاكِ!) يا أم رضوان..

برافو!..بخ بخ!.. لقد أبدعتَ  يا أبا شعبان..

خمسة نجوم ذهبية لامعة للأستاذ رمضان..

تصفيق حاد!

وعلا الصفير تشجيعًا لـ”فريق الأهالي”..وانهالت النجوم الخماسية الذهبية التشجيعية..تزين الوظائف البيتية!

وعلت أصوات الزغاريد!

 

  • ألصغار في آيفوناتهم..والأهالي المساكين في همزاتهم!

 

بعيدًا عن ساحة الوغى..وبعيدًا عن غبار المعركة..

ينزوي الصغار جانبًا..في عالمهم الخاص..مستغرقين في ألعاب الحاسوب المسلية..بمنأى عن الزوابع الماراتونية!

فقد كانوا طلطميسًا..لم يعرفوا إذا كانت الحكاية جمعة  أو خميسًا..لم يفهموا شيئًا مما يدور حولهم..وطلعوا من المولد بلا حمص! هل سمعتم بـ”مصيّفي الغور”!؟

لقد خرجوا من “الهيزعة” سالمين غير غانمين..ودون أن تتغبر ملابسهم..كأبطال أفلام رعاة البقر..الذين يجندلون العشرات في ساحات الوغى..ويخرجون من المعركة سالمين..والسيجار في فمهم..ودون أن تمس ثيابهم ذرة غبار واحدة!

 وبقيت عقول الأطفال نظيفة ومعقمة..دون أن تتلوث بفيروس الهمزات!

هم في عالمهم وألعابهم وحواسيبهم وآيفوناتهم..والأهالي الغلابى في عالم آخر..يلهثون لاصطياد همزاتهم!

 

  • أما أكبادنا التي تمشي على الأرض..فيا ولداه!

لقد كانت العلامات في النهاية من نصيب الآباء والأمهات..وكانوا هم الرابحين..نجومًا ذهبية ودروعًا حمراء أرجوانية وشهادات مخملية.. تقديرًا  لجهودهم المخلصة في حل الوظيفة لأبنائهم وبناتهم وأحفادهم وحفيداتهم!

لقد اجتاز الأهالي المحنة..لقد نجوا من حادث الهمزات المروّع.. وسلسلة الاصطدامات التي صدمتهم وجهًا لوجه..فنهضوا من بين الأنقاض مثخنين بالهمزات..وقد أصيبوا إصابات تراوحت ما بين الطفيفة والمتوسطة والقاتلة!

أما أولادنا..أكبادنا التي تمشي على الأرض..فيا ولداه!

**

ويسأل المراقب التربوي: أما آن الأوان..لأن ننزل عن الشجرة العالية..ونعطي الوظيفة للعصافير الصغيرة..غضّة الإهاب..على مستواها!؟

ألا نأخذ بيدها ونمشي معها دادي دادي!؟

ألا نعطي الوظيفة للأبناء..وليس للأمهات والآباء!؟

فرفقًا  بالعصافير الصغيرة..ورأفة بالأهالي الغلابى!

رجاء  يا أميرة!

رجاء يا أميرة!

**

ويبتسم المناحيس الصغار ابتسامات خبيثة!

قال همزة قال!

بلا همزة بلا بلوط!!

**

24-10-2012

من كتاب “المرشد التربوي للمعلم المثالي” (من الأدب الساخر) الذي سيصدر قريبًا

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .