أجراس المشرق (3)/ عفيفة مخول خميسة

לכידה

التزمتُ الأَسر بين نابَي التناسي والنسيان أعُضُّ على الكلمة، بينما الخطاب يستفزّني، فأتَتَبّعه على مضض لأقيمَ على الشكِّ مقومات تدعم صوابية أو عدم صوابية الإفراج عن لِساني بما حَمَل، قلمي وكلّ أداة متاحة دفاعًا عن حُرّيّة عقلي /طباخ الكلمة، كما عن حُرّية وحُرمة معتقد الغير … والتعبير أضعف الإيمان حتى وإن رُشِقتُ ذات يومٍ، سهوًا أو قصدًا، بالقول: مُشرِكة !! وأُتسلّل من الشكّ إلى اليقين لأسأل، والأصحّ أدّعي:

أولًا: أنَّ تناوُل الفكرَة بهذا الأسلوب غير صائب لهجةً وتعابير غير لائقة برجل دين “مَلوِهْدومو”، فيما لا يُرجى له السقوط في الامتحان الشفويّ المفترض أن يتفوّق به المعلّمون الأصائل حمَلَة الرسائل، دون الأساتذة البدائل.

ثانيًا: أنَّ التركيز تلميحًا وإيحاءً على “الزنار والنازِل” مؤشّر على حتمية الوقوع في شَرَك الخطيئة (بالفِكر والقَول…).

ثالثًا: غياب ذِكر السيدة العذراء عن خطاب الجَناب، ولو عرضيًا، وهي عنصر أساسي بالإيمان المسيحي كأول قدّيسات الأرض وأعلاهُنَّ شأنًا في الوجدانين الإسلامي كما المسيحي. هذا مع العلم بأن المتجدّدين (المذهب) ينكرون عليها أُمومتها للسيد المسيح…

أرى بعدم التعريج على هذه الحقيقة (وإن باعتبارها جزئيةً رمزية)، ولو من باب رفع العَتَب، أرى أن حضرة الجناب قد عزم دِبَبَة الشَكّ على كرمه وشَرّع الأبواب. صحيح أن لكلٍ فارسٍ غفوة !.

رابعًا: أنَّ اللحظة التاريخية في أدَّق أوقاتها حرجًا، وأجواؤها جدُّ مؤاتية لإضرام النار الراكدة تحت جمر السِياسة الخبيثة. وهذا يمهّد لاستيلاب ما تبقى من الذهنية المشرقية، وهي ثروة وجدانية وثقافية لا يفوت الجناب بذكائه البيّن تناطُح الرؤوس الكبرى عليها توطئةً للإجهاض على بقايا جيناتنا الأخلاقية، ومن ثم الإطباق على مواردنا التاريخية والاقتصادية.

خامسًا، وهو الأهم: أن أقباط مِصر في هذا المنزلق التاريخي المصيري لا يحتملون الإيقاع بهم ضحايا لتحريضٍ مزخرفٍ بتعابير الحريّة ومشتقاتها، بينما هي وهْمٌ عربي …. ثم إن زجّهم في سجالات عُنصرية يعكّر عليهم أمنهُم وانسجامهم المقبول وتعايُشهم التاريخي مع إخوانهم المسلمين. والمصريّ، كما تعلم، مصدّر طيبةٍ وشهامةٍ وكرم، فهو من طينة النيل العظيم. فما بالك سيدي بأبواق فتن تخرج من ظهرانهم، وتجوب أرجاء صمتهم الحذِر، تحديدًا في هذا الربيع الخريفيّ القاحل المتقّد الدامي؟!

سادسًا، على الهامش: إنَّ الداعشِيَة أخبثُ ألعاب التاريخ وهي ذات وجوهٍ تعدّدت وأساليب تلوّنت، لكنها في الجوهر واحدة، تلتقي على مبدأ رفض الاَخر والدلّ عليك أبرص يجب التخلّص منه نهائيًا عند البعض، وعند البعض يجب زجّهُ في مطهَر الحجر الصحي حتى يتعافى بالتوبة… ويدلف إلى حظيرة الأصحاء من تلقاء إرادته عبدًا نجا برأسه. وهذا انتصار … أيُّا نتصار !!.

ولا تفوتُنا هشاشة الشرق المُرهق وهُزال حيلته وتراخيه المخزي عن الوقوف حزمة واحدة في مواجهة العواصف الدعائِية حؤولًا دون اتّساع الصدوع بين أبناء الوطن الواحد، والحيّ الواحد…

دعوة جريئة: لا تتنصَّروا أيها المسلمون! ولا تنسوا قول أجدادنا “كل واحد على دينو الله يعينو” ولا تسمعوا أقواله (أمثاله) أيها المسيحيون! ولا تفعلوا أفعالهم الفكّرية. وإن كان لا بُدّ لكم من مرجِع جنوبي  فاسمعوا أقوال البابا شنودة، رحمه الله، وافعلوا أفعاله. كما أنصحكم بالتوجه إلى الشمال إلى لبنان لسماع أقوال الأب الأديب المؤدب يوسف مونّس كنموذج من نماذج غزّالي المحبة والرُقِيّ الأخلاقيّ.

سؤال جريء: أينَ أنتَ جناب القُمُص من كلّ هذا؟! ألّا تسعى لحصة من هذا الإرث؟ ألّا تسعى لحجز مكانةٍ في الذِكر الحسن، ومكانٍ في الجنة؟  هل تبرّأت من عراقة مصر النيل؟! إن كان الجواب نعم فهذا بحدّ ذاته خطيئة مُميتة.

بعد مجاهرتي بما تقدّم، وفي كلّ مجلس مُتاح هَمَس لي أحدهم: هذا الرجل مطلوب بمليون دولار! تركتُ الباب مفتوحًا على التصديق، وهذا مهِّم، لكن بين المهّمّ والأهمّ مسافة ما بين الشائعة والحقيقة. فإذا كانت الجهة الطالبة تمثل الغَيورين على دينهم (الأصيلين) فيجب تسجيل نقطة لصالحهم، على اعتبار أن هذا حقهم بل واجبهم. لكن من أدراك أن الجهة الطالبة ليست نفس الجهة التي تموّل حماية هذا الرجل وأمثاله؟! ويبقى المهمّ والأهمّ في دائرة الشكّ إلى أن تستوفى المهمة بما تُثمره السياسة البارعة في ابتكار ثمارٍ لا شكل ولا طعم لها إلّا شكل وطعم الدَم.

03/08/2016

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .